بحـث
المواضيع الأخيرة
عرض لكتاب أيان موريس لماذا يهيمن الغرب؟
صفحة 1 من اصل 1
عرض لكتاب أيان موريس لماذا يهيمن الغرب؟
بسم الله الرحمن الرحيم
عرض كتاب لماذا يهيمن الغرب اليوم؟
خمسة عوامل تسيطر على مصائر العالم
عرض: محمد الخولي في: 6/23/2012
جمع الكاتب أيان موريس في هذا الكتاب بين البعد الزمني (التاريخي) والبعد المكاني (الجغرافي) في إطار منظور متداخل يطل من خلاله على تطور الحياة البشرية منذ عصر إنسان الكهوف إلى العصر الحديث،
ومنه إلى نظرة مستقبلية يستشرف فيها آفاق الحقبة القريبة المرتقبة من تطور عالمنا، وذلك في حدود السنوات الأربعين المقبلة التي يصفها الكتاب بأنها ستكون الأهم (في نظر المؤلف ) في تاريخ العالم، وخاصة في ضوء ما توصلت إليه البشرية من إبداعات في مجال الحاسوب الالكتروني وكائنات الذكاء الاصطناعي (الروبوت) وهو ما سيضفي تأثيراته على حياة الناس في المستقبل، تماما كما تأثرت الحياة والحضارات الإنسانية في أزمنة سبقت بقدرة الناس على التوصل إلى «السفينة» التي استطاعت منذ 500 سنة أن تمخر عباب المحيط، وأمكنها أن تحمل على متنها قوماً من أوروبا: من البرتغال وإسبانيا ثم من انجلترا وفرنسا، وأوصلتهم إلى ربوع الصين واليابان في أقصى شرق العالم ومن ثم كانت سيطرة، أو سيادة الغرب على الشرق الذي لم يتوصل إلى مثل هذه الوسيلة.
على الرغم مما سبق إليه هذا الشرق في مضمار الحضارات القديمة ما بين وادي النيل في مصر أو بلاد ما بين النهرين في العراق،
أما في تحليل المرحلة الراهنة والمراحل الوشيكة المرتقبة فالكتاب يركز على أهمية التفاعل بالسلب والإيجاب بين أهم كيانين في عالمنا الراهن، وهما الولايات المتحدة والصين
هذا الكتاب بالغ الطموح، صحيح أنه أدار موضوعه الأساسي حول محور الغرب، بمعنى شمال العالم الأوروبي والأمريكي بطبيعة الحال، لكن الأصح هو أن المؤلف، وهو أستاذ جامعي متميز، عمد إلى توسيع رقعة الزمان التي يتناولها بقدر ما عمد إلى تضييق، أو فلنقل تحديد، رقعة المكان.
من هنا فقد توسعت مطامع هذا الكتاب كي تشمل حكاية 50 ألف سنة من عمر الزمن، هي المساحة الزمنية التي يرى المؤلف أنه قد نشأت في سياقها تلك الكيانات التي أصبح يصدق عليها مصطلح الغرب.
على أن المؤلف عمد بالذات إلى مزج المنظورين الجوهريين معا، منظور المكان (الجغرافيا) ومنظور الزمان (التاريخ)، ومن خلال هذا المنظور الجديد، «الزمكاني» كما قد نسميه، أطّل البروفيسور أيان موريس على موضوعه الذي اختاره لهذا الكتاب، وهو:
سيادة الغرب على مقاليد عالمنا
وهي ظاهرة تستدعي بحكم التعريف أسئلة جوهرية عديدة، ومنها مثلا:
كيف كانت هذه السيادة، وماذا كانت أنماطها وأشكالها؟
ولماذا انفرد الغرب بهذه السيادة ردحاً لا بأس به من عمر عالمنا وخاصة في العصر الحديث؟
ثم ماذا كانت حال المنافسة، ومن كانوا منافسي هذا الغرب على تلك السيادة؟
إن الأبواب الأساسية الثلاثة من كتابنا تطرح كل هذه التساؤلات وتحاول، طبعا، الإجابة عنها على مدار الفصول الاثني عشر التي يتألف منها متن هذا الكتاب، إضافة إلى مقدمة إضافية (في 36 صفحة) وتذييل واف (في 23 صفحة).
لندن عاصمة عالمها:
وبغير أن نشغل أنفسنا بحديث عن أزمنة سحيقة، بعضها سابق على تاريخ الإنسانية المعروف والمكتوب، نستطيع أن نبدأ مع المؤلف من عام 1777 للميلاد وبالتحديد مع عبارات الدكتور صمويل جونسون وهو واحد من أعلام الأدب الإنجليزي وقد قال فيها: في لندن نشاهد ما يريده المرء من هذه الحياة.
وكان المعنى على نحو ما يعلق مؤلف هذا الكتاب - أن لندن في تلك الأيام من أواخر القرن الثامن عشر كان فيها كل شيء، المعمار الفاخر، البضائع على آخر طراز في تلك الفترة طبعا تملأ واجهات المحلات، الأناقة التي لا ينكرها أحد في ملابس سيدات ذلك الزمان، وفي عبارة واحدة يخلص مؤلفنا إلى ما يلي: «لندن في تلك الحقبة كادت تكون عاصمة العالم، لماذا؟
كان التجار يضيعون ساعات من فراغ طويل ولذيذ يحتسون القهوة في أماكن خلعوا عليها لأول مرة اسم، النوادي، وحتى الفقراء كانوا يصفون الشاي بأنه أمر «ضروري ولا غنى عنه» فما بالك وقد كانت زوجات المزارعين شغوفات بشراء آلات، البيانو، لزوم العزف الموسيقي في الأمسيات،
لا عجب أن جاء مثقف من أسكتلندا شمالي إنجلترا - ليصدر في تلك الفترة كتابا يصف فيه الإنجليز بأنهم أمة من «أصحاب الدكاكين»، وكان بذلك يمتدح الإنجليز، وقد قارنهم ذلك المثقف الاسكتلندي بأهل الصين الذين طالما نعموا بثراء بلادهم ورخاء حياتهم إلى أن استسلموا إلى صراعات بين الفقراء والموسرين فكان أن تحولت الصين من الثراء إلى الفقر.
والحاصل أن اشتهر الكاتب الاسكتلندي المذكور، وذاعت أيضا شهرة كتابه الذي لا يزال يعد من كلاسيكيات الفكر الاقتصادي بعنوانه المعروف
«ثروة الأمم» تأليف آدم سميث أو هو انجيل النظام الرأسمالي، كما يعرف في ميدان علوم الاقتصاد.
قبل 10 آلاف سنة:
لكن قبل هذه الحقبة الحديثة بقرون طويلة، تحركت شعوب شتى من جنوب العالم إلى شماله، من أفريقيا وآسيا إلى أوروبا، وكان ذلك مثلاً على نحو ما يذهب إليه المؤلف على مدار العشرة آلاف سنة الأخيرة من عمر البشرية، حيث اجتاحت الكرة الأرضية على نحو ما يوضح الكتاب (ص81) موجة من التساخن الكوكبي، مما أدى إلى دفع البشر في ذلك الزمان إلى تشغيل ملكاتهم وتغيير أساليب حياتهم وابتداع السبل والوسائل التي تكفل التكيف مع ما جاءت به موجة الدفء من مستجدات ومعطيات.
المهم أن هذه المرحلة شهدت ما أصبح يعرف في العالم باسم الشرق والغرب،
وكان الفائز في هذه الظاهرة هو الأقطار التي أدت ظاهرة الدفء المستجدة إلى انصهار غطاء الجليد فوق أراضيها التي أصبحت صالحة للزراعة والبناء وسائر أغراض الحياة.
نلاحظ من جانبنا أن هذه النظرية من الحتمية الجغرافية هي التي دفعت -في تصور مؤلف الكتاب- شعوبا من الشرق وبالذات من غربي آسيا إلى الغرب في أوروبا وبالذات عند حوض البحر الأبيض المتوسط ومن ثم شمالا إلى مناطق أوروبا النوردية وهي إسكندنافيا.
يلاحظ النقاد أيضا أن الكتاب يفسّر تفوق الغرب أساسا، من خلال إنجازات مادية بدأت، كما يقول المؤلف، بنجاح سكان الغرب في مراحل ما قبل التاريخ في استئناس الحيوان وتطويع زراعة النباتات لخدمة تطوير حياة البشر وحسن تغذيتهم وفسح المجال أمام حصولهم على ما يكفي لتطور معايشهم من إمكانات الطاقة وأصناف الوقود.
النقاد أنفسهم كانوا ينتظرون من المؤلف مثلاً أن يعزو تفوق الغرب إلى التبشير بقيم الحرية أو العقلانية أو التسامح وما إلى ذلك، بيد أن المؤلف كان في الأساس يصدر عن تخصصه في هذا البعد الزمكاني، على نحو ما أسلفنا، بعيدا عن السياسة وقضاياها وتفسيراتها.
المادة قبل الفكر:
هذا البُعد هو الذي جعله يتمسك، عبر فصول كتابه، بما يمكن أن نصفه بأنه التحولات الملموسة أو الإنجازات المادية بوصفها قاطرة التغيير وسبيل الحضارة،
من هنا فهو يرى أن أول عوامل تفوق الغرب لم يكن أشعار شكسبير، مثلًا، ولا حتى فلسفات سقراط أو أفلاطون، ولكن كان توصّل الغرب إلى أول «سفينة» قادرة على أن تمخر عباب البحار منذ 500 سنة أو نحوها، وكان ذلك فتحاً لا ينكر، بعد أن كان الناس قد سلّموا في ذلك الزمان الغابر بأن لا سبيل إلى اجتياز غمرات البحر المحيط أو أن ذلك دونه مخاطر وأهوال.
في هذا السياق بالذات، يستطرد المؤلف قائلًا: صحيح أن قدماء المصريين سبقوا إلى مضمار الحضارة في عالم الزمان القديم، وصحيح أن سكان بلاد الرافدين شيدوا صروح بابل الحضارية الباذخة، ولكن الأصح أن الذي فاز في نهاية المطاف لم يكن من أهل الشرق القديم لا في مصر ولا في العراق ولا في فينيقيا شرقي البحر المتوسط.
إن الذي فاز وسجل تفوقا للغرب على الشرق هو الشعوب التي سبقت إلى الوصول إلى بلاد الصين وربوع اليابان ومن قبلهما إلى شبه القارة الهندية، عبر سفن كانت وقتها تأخذ بكل أسباب الحداثة، وهم الأسبان والبرتغاليون ومن بعدهم الإنجليز والفرنسيون،
أما الذي حمل هذه الشعوب على متن الماء فكانت السفن إياها بكل بنائها المادي وآلاتها المستحدثة، بمقاييس تلك المراحل السابقة في تاريخ العالم الحديث.
لم تكن لا الفلسفة اليونانية ولا القانون الروماني ولا تعاليم الديانات التي سبقت في أوروبا باتباع تعاليم موسى أو عيسى عليهما السلام، ولا حتى عصر النهضة الذي خلف زمن القرون الوسطى،
ببساطة، يقول الكاتب الإنجليزي جون غراي في نقد هذا الكتاب: فالمؤلف ينسى هذا كله، ولا يركز سوى على تصوره أن الذي أعطى للغرب مقاليد التفوق منذ نحو 500 عام هو الحقيقة المجردة التي تجمع بين موقع الغرب في شمال كوكبنا ومن حيث تفاعل هذا الموقع مع القوانين الطبيعية التي تجمع بين عوامل البيولوجيا والتطور الاجتماعي.
في السياق نفسه، يشير الناقد الإنجليزي المذكور إلى أن مصطلحيْ الشرق والغرب خاضعان للتغير حسب المفاهيم المستجدة في الفكر والأوضاع العالمية، وهل نتذكر مثلاً أن تعبير «الشرق» كان يصدق في أدبيات السياسة الدولية، ومنذ أقل من 30 عاما فقط، على منظومة الأقطار الاشتراكية ذات الأيديولوجية الماركسية بقيادة الاتحاد السوفييتي؟
مؤثرات مستقبلية:
مع ذلك نلاحظ من فصول هذا الكتاب أن مؤلفه البروفيسور موريس يذهب إلى أن التطور الطبيعي للبشر في زماننا الراهن، ومن ثم فيما يتلوه من سنوات وعقود في هذا القرن الواحد والعشرين، سوف يأتي محصلة لتفاعلات من نوع مستحدث آخر، وفي هذا الصدد بالذات يرى محللو كتابنا أن مؤلفه واقع إلى حد ليس بالهين تحت تأثير واحد من أهم علماء المستقبليات في الولايات المتحدة، حيث اختار مؤلفنا الإنجليزي الأصل أن يعيش ويعمل. ونقصد المفكر الأميركي رايكوزفيل
وفي إطار هذه المؤثرات يذهب المؤلف مع سطور الفصول الأخيرة من هذا الكتاب إلى أن التطور الطبيعي للبشرية من شأنه أولاً أن ينزع من الغرب (الأوروبي الأميركي) ميزة احتكار التفوق التي جسدت سيطرته على مقاليد عالمنا ردحا ليس بالقصير من عمر الزمان الحديث.
ومن ثم فهذا التطور من شأنه أن يجعل سيطرة الغرب أمرا مرحليا وله نهاية متوقعة إن لم يكن اليوم فهو الغد أو حتى بعد الغد.
والسبب كما توضحه سطور الكتاب هو ما يرتقبه المؤلف من تفاعلات حميمة كما يراها تصل في رأيه إلى درجة التلاحم أو الاندماج بين الإنسان الكائن البشري، والحاسوب الكائن الإلكتروني، حيث يفضي التطور إلى انتاج وتشغيل الروبوت المفرط الذكاء، هذا التطور الكفيل بأن يوصلنا إلى أشكال مستجدة وغير مسبوقة من الحياة المستندة إلى عالم السيلكون (إشارة إلى وادي السيلكون في كاليفورنيا غرب الولايات المتحدة حيث إبداعات ومبتكرات تكنولوجيا الحواسيب والروبوت، وهو كفيل في رأي المؤلف، حتى لا ننسى، بأن يمحو فروقات الموقع الجغرافي (المكاني) بقدر ما يؤدي إلى تقارب وتفاعل وربما تدامج أوضاع التطور التاريخي (الزماني) للأمم والشعوب.
العوامل الخمسة:
مع هذا كله فلا يملك المؤلف، خلال مسيرته اللاهثة الطويلة والموغلة في أحقاب التاريخ سوى أن يعترف بتفاعل العوامل المادية مع العوامل غير المادية. وهو يعزو تطور، أو عدم تطور الدول والشعوب إلى خمسة عوامل رئيسية يلخصها على النحو التالي:
تغير المناخ +
تدفقات الهجرة +
مأساة الجوع (بين الشعوب) +
انتشار الوباء +
فشل الدول في النهوض بواجباتها.
ورغم اتساع تعريف الشرق عند جمهرة مفكري العالم، إلا أن المؤلف يختار في معظم مقولات الكتاب أن يركز على بلد بعينه في ربوع هذا «الشرق» الذي يعرض له دوما بين طروحات الكتاب، وهذا البلد هو: الصين.
وعلى الرغم من أن المؤلف اختصاصي أساسا في دراسات الآثار والتاريخ القديم، إلا أنه كباحث معاصر لا يملك في تصورنا أن يتجاهل أثر التيارات والطروحات السياسية التي تحتشد بها بورصة التوقعات الراهنة في مضمار السياسة الدولية، ومن هنا كان إلحاح السؤال الجوهري الذي يكاد القارئ يلمسه متردداً في سطور الفصل الثاني عشر من هذا الكتاب، والسؤال هو:
ترى، لمن الغلبة في العقود المقبلة من هذا القرن الجديد، أميركا، أم الصين؟
أو بصورة أوضح على نحو ما يقول الناقد الأميركي أورفيل شل: هل تتحرك السطوة أو السيطرة من الغرب إلى الشرق، وبالتحديد من أميركا المفلسة (بمعنى المديونة) إلى الصين المزدهرة (بمعنى الدائنة لخزانة أميركا بمبالغ أكثر من طائلة بل فادحة كما قد نقول.
في هذا الصدد يرى المؤلف أن خلاص العالم في المرحلة القريبة المقبلة إنما يتلخص في حالة من التفاعل الدينامي والحميم بين الطرفين، الصيني والأميركي. وهو يحيل في هذا الخصوص إلى المصطلح الطريف الذي عمد إلى صياغته وسبكه اثنان من كبار علماء الشؤون الدولية المعاصرين وهما المؤرخ نيال فيرغسون والاقتصادي مورتيز شولاريك والمصطلح هو: «شيرمريكا.» وقد نترجمه بعد إذنك إلى ما يلي: «صيمريكا».
ويعني بداهة مزيجاً متداخلاً من كلمتيْ الصين وأميركا،
وهنا يحرص كتابنا على التنبيه إلى أن ذلك المصطلح لا يعني توافقاً بين الطرفين بقدر ما أنه لقاء قد تحتمه الأقدار وتفرضه المصائر والمصالح، حيث يعاني هذان الطرفان من مشكلات في الحاضر (أميركا) وفي المستقبل (الصين)، وهو يضيف منبّهاً أو محذّراً بأن العالم لم يعد يتحمل استمرار الصراعات التي طالما نشبت خلال القرن العشرين بين أطراف شتى سواء كانت أسبابها توسعا إقليميا أو صراعا على الموارد والنفوذ (كما شهدت ذلك الحربان العالميتان) أو كانت صراعا عقائديا أو مذهبيا (كما شهدت الحرب الباردة بين معسكري الشرق الاشتراكي والغرب الرأسمالي).
الكتاب يختم طروحاته بالتنبيه إلى أن المشكلات قد تتسم بطابع أوسع وأعمق وأخطر وأشمل، طابع عابر للحدود أحيانا أو طابع كوكبي (غلوبالي) أحيانا أخرى،
وهي مشكلات من قبيل ما يلي:
انتشار السلاح النووي،
عواقب الزيادات في حجم السكان مع تقلص الموارد،
تفشي أنماط مستجدة وأحيانا غير مسبوقة أو غير معروفة من الأمراض، هذا فضلا عن عواقب ظاهرة تغير المناخ وتدهور البيئة.
من هنا نقف بعين التدبر والتأمل عند المقولة التي يختم بها المؤلف هذا الكتاب وهي: إن الأربعين سنة المقبلة ستكون الأهم في التاريخ.
إعداد: حسب الرسول الطيب الشيخ
نقلا عن صحيفة الاتحاد االاشتراكي المغاربية
عرض كتاب لماذا يهيمن الغرب اليوم؟
خمسة عوامل تسيطر على مصائر العالم
عرض: محمد الخولي في: 6/23/2012
جمع الكاتب أيان موريس في هذا الكتاب بين البعد الزمني (التاريخي) والبعد المكاني (الجغرافي) في إطار منظور متداخل يطل من خلاله على تطور الحياة البشرية منذ عصر إنسان الكهوف إلى العصر الحديث،
ومنه إلى نظرة مستقبلية يستشرف فيها آفاق الحقبة القريبة المرتقبة من تطور عالمنا، وذلك في حدود السنوات الأربعين المقبلة التي يصفها الكتاب بأنها ستكون الأهم (في نظر المؤلف ) في تاريخ العالم، وخاصة في ضوء ما توصلت إليه البشرية من إبداعات في مجال الحاسوب الالكتروني وكائنات الذكاء الاصطناعي (الروبوت) وهو ما سيضفي تأثيراته على حياة الناس في المستقبل، تماما كما تأثرت الحياة والحضارات الإنسانية في أزمنة سبقت بقدرة الناس على التوصل إلى «السفينة» التي استطاعت منذ 500 سنة أن تمخر عباب المحيط، وأمكنها أن تحمل على متنها قوماً من أوروبا: من البرتغال وإسبانيا ثم من انجلترا وفرنسا، وأوصلتهم إلى ربوع الصين واليابان في أقصى شرق العالم ومن ثم كانت سيطرة، أو سيادة الغرب على الشرق الذي لم يتوصل إلى مثل هذه الوسيلة.
على الرغم مما سبق إليه هذا الشرق في مضمار الحضارات القديمة ما بين وادي النيل في مصر أو بلاد ما بين النهرين في العراق،
أما في تحليل المرحلة الراهنة والمراحل الوشيكة المرتقبة فالكتاب يركز على أهمية التفاعل بالسلب والإيجاب بين أهم كيانين في عالمنا الراهن، وهما الولايات المتحدة والصين
هذا الكتاب بالغ الطموح، صحيح أنه أدار موضوعه الأساسي حول محور الغرب، بمعنى شمال العالم الأوروبي والأمريكي بطبيعة الحال، لكن الأصح هو أن المؤلف، وهو أستاذ جامعي متميز، عمد إلى توسيع رقعة الزمان التي يتناولها بقدر ما عمد إلى تضييق، أو فلنقل تحديد، رقعة المكان.
من هنا فقد توسعت مطامع هذا الكتاب كي تشمل حكاية 50 ألف سنة من عمر الزمن، هي المساحة الزمنية التي يرى المؤلف أنه قد نشأت في سياقها تلك الكيانات التي أصبح يصدق عليها مصطلح الغرب.
على أن المؤلف عمد بالذات إلى مزج المنظورين الجوهريين معا، منظور المكان (الجغرافيا) ومنظور الزمان (التاريخ)، ومن خلال هذا المنظور الجديد، «الزمكاني» كما قد نسميه، أطّل البروفيسور أيان موريس على موضوعه الذي اختاره لهذا الكتاب، وهو:
سيادة الغرب على مقاليد عالمنا
وهي ظاهرة تستدعي بحكم التعريف أسئلة جوهرية عديدة، ومنها مثلا:
كيف كانت هذه السيادة، وماذا كانت أنماطها وأشكالها؟
ولماذا انفرد الغرب بهذه السيادة ردحاً لا بأس به من عمر عالمنا وخاصة في العصر الحديث؟
ثم ماذا كانت حال المنافسة، ومن كانوا منافسي هذا الغرب على تلك السيادة؟
إن الأبواب الأساسية الثلاثة من كتابنا تطرح كل هذه التساؤلات وتحاول، طبعا، الإجابة عنها على مدار الفصول الاثني عشر التي يتألف منها متن هذا الكتاب، إضافة إلى مقدمة إضافية (في 36 صفحة) وتذييل واف (في 23 صفحة).
لندن عاصمة عالمها:
وبغير أن نشغل أنفسنا بحديث عن أزمنة سحيقة، بعضها سابق على تاريخ الإنسانية المعروف والمكتوب، نستطيع أن نبدأ مع المؤلف من عام 1777 للميلاد وبالتحديد مع عبارات الدكتور صمويل جونسون وهو واحد من أعلام الأدب الإنجليزي وقد قال فيها: في لندن نشاهد ما يريده المرء من هذه الحياة.
وكان المعنى على نحو ما يعلق مؤلف هذا الكتاب - أن لندن في تلك الأيام من أواخر القرن الثامن عشر كان فيها كل شيء، المعمار الفاخر، البضائع على آخر طراز في تلك الفترة طبعا تملأ واجهات المحلات، الأناقة التي لا ينكرها أحد في ملابس سيدات ذلك الزمان، وفي عبارة واحدة يخلص مؤلفنا إلى ما يلي: «لندن في تلك الحقبة كادت تكون عاصمة العالم، لماذا؟
كان التجار يضيعون ساعات من فراغ طويل ولذيذ يحتسون القهوة في أماكن خلعوا عليها لأول مرة اسم، النوادي، وحتى الفقراء كانوا يصفون الشاي بأنه أمر «ضروري ولا غنى عنه» فما بالك وقد كانت زوجات المزارعين شغوفات بشراء آلات، البيانو، لزوم العزف الموسيقي في الأمسيات،
لا عجب أن جاء مثقف من أسكتلندا شمالي إنجلترا - ليصدر في تلك الفترة كتابا يصف فيه الإنجليز بأنهم أمة من «أصحاب الدكاكين»، وكان بذلك يمتدح الإنجليز، وقد قارنهم ذلك المثقف الاسكتلندي بأهل الصين الذين طالما نعموا بثراء بلادهم ورخاء حياتهم إلى أن استسلموا إلى صراعات بين الفقراء والموسرين فكان أن تحولت الصين من الثراء إلى الفقر.
والحاصل أن اشتهر الكاتب الاسكتلندي المذكور، وذاعت أيضا شهرة كتابه الذي لا يزال يعد من كلاسيكيات الفكر الاقتصادي بعنوانه المعروف
«ثروة الأمم» تأليف آدم سميث أو هو انجيل النظام الرأسمالي، كما يعرف في ميدان علوم الاقتصاد.
قبل 10 آلاف سنة:
لكن قبل هذه الحقبة الحديثة بقرون طويلة، تحركت شعوب شتى من جنوب العالم إلى شماله، من أفريقيا وآسيا إلى أوروبا، وكان ذلك مثلاً على نحو ما يذهب إليه المؤلف على مدار العشرة آلاف سنة الأخيرة من عمر البشرية، حيث اجتاحت الكرة الأرضية على نحو ما يوضح الكتاب (ص81) موجة من التساخن الكوكبي، مما أدى إلى دفع البشر في ذلك الزمان إلى تشغيل ملكاتهم وتغيير أساليب حياتهم وابتداع السبل والوسائل التي تكفل التكيف مع ما جاءت به موجة الدفء من مستجدات ومعطيات.
المهم أن هذه المرحلة شهدت ما أصبح يعرف في العالم باسم الشرق والغرب،
وكان الفائز في هذه الظاهرة هو الأقطار التي أدت ظاهرة الدفء المستجدة إلى انصهار غطاء الجليد فوق أراضيها التي أصبحت صالحة للزراعة والبناء وسائر أغراض الحياة.
نلاحظ من جانبنا أن هذه النظرية من الحتمية الجغرافية هي التي دفعت -في تصور مؤلف الكتاب- شعوبا من الشرق وبالذات من غربي آسيا إلى الغرب في أوروبا وبالذات عند حوض البحر الأبيض المتوسط ومن ثم شمالا إلى مناطق أوروبا النوردية وهي إسكندنافيا.
يلاحظ النقاد أيضا أن الكتاب يفسّر تفوق الغرب أساسا، من خلال إنجازات مادية بدأت، كما يقول المؤلف، بنجاح سكان الغرب في مراحل ما قبل التاريخ في استئناس الحيوان وتطويع زراعة النباتات لخدمة تطوير حياة البشر وحسن تغذيتهم وفسح المجال أمام حصولهم على ما يكفي لتطور معايشهم من إمكانات الطاقة وأصناف الوقود.
النقاد أنفسهم كانوا ينتظرون من المؤلف مثلاً أن يعزو تفوق الغرب إلى التبشير بقيم الحرية أو العقلانية أو التسامح وما إلى ذلك، بيد أن المؤلف كان في الأساس يصدر عن تخصصه في هذا البعد الزمكاني، على نحو ما أسلفنا، بعيدا عن السياسة وقضاياها وتفسيراتها.
المادة قبل الفكر:
هذا البُعد هو الذي جعله يتمسك، عبر فصول كتابه، بما يمكن أن نصفه بأنه التحولات الملموسة أو الإنجازات المادية بوصفها قاطرة التغيير وسبيل الحضارة،
من هنا فهو يرى أن أول عوامل تفوق الغرب لم يكن أشعار شكسبير، مثلًا، ولا حتى فلسفات سقراط أو أفلاطون، ولكن كان توصّل الغرب إلى أول «سفينة» قادرة على أن تمخر عباب البحار منذ 500 سنة أو نحوها، وكان ذلك فتحاً لا ينكر، بعد أن كان الناس قد سلّموا في ذلك الزمان الغابر بأن لا سبيل إلى اجتياز غمرات البحر المحيط أو أن ذلك دونه مخاطر وأهوال.
في هذا السياق بالذات، يستطرد المؤلف قائلًا: صحيح أن قدماء المصريين سبقوا إلى مضمار الحضارة في عالم الزمان القديم، وصحيح أن سكان بلاد الرافدين شيدوا صروح بابل الحضارية الباذخة، ولكن الأصح أن الذي فاز في نهاية المطاف لم يكن من أهل الشرق القديم لا في مصر ولا في العراق ولا في فينيقيا شرقي البحر المتوسط.
إن الذي فاز وسجل تفوقا للغرب على الشرق هو الشعوب التي سبقت إلى الوصول إلى بلاد الصين وربوع اليابان ومن قبلهما إلى شبه القارة الهندية، عبر سفن كانت وقتها تأخذ بكل أسباب الحداثة، وهم الأسبان والبرتغاليون ومن بعدهم الإنجليز والفرنسيون،
أما الذي حمل هذه الشعوب على متن الماء فكانت السفن إياها بكل بنائها المادي وآلاتها المستحدثة، بمقاييس تلك المراحل السابقة في تاريخ العالم الحديث.
لم تكن لا الفلسفة اليونانية ولا القانون الروماني ولا تعاليم الديانات التي سبقت في أوروبا باتباع تعاليم موسى أو عيسى عليهما السلام، ولا حتى عصر النهضة الذي خلف زمن القرون الوسطى،
ببساطة، يقول الكاتب الإنجليزي جون غراي في نقد هذا الكتاب: فالمؤلف ينسى هذا كله، ولا يركز سوى على تصوره أن الذي أعطى للغرب مقاليد التفوق منذ نحو 500 عام هو الحقيقة المجردة التي تجمع بين موقع الغرب في شمال كوكبنا ومن حيث تفاعل هذا الموقع مع القوانين الطبيعية التي تجمع بين عوامل البيولوجيا والتطور الاجتماعي.
في السياق نفسه، يشير الناقد الإنجليزي المذكور إلى أن مصطلحيْ الشرق والغرب خاضعان للتغير حسب المفاهيم المستجدة في الفكر والأوضاع العالمية، وهل نتذكر مثلاً أن تعبير «الشرق» كان يصدق في أدبيات السياسة الدولية، ومنذ أقل من 30 عاما فقط، على منظومة الأقطار الاشتراكية ذات الأيديولوجية الماركسية بقيادة الاتحاد السوفييتي؟
مؤثرات مستقبلية:
مع ذلك نلاحظ من فصول هذا الكتاب أن مؤلفه البروفيسور موريس يذهب إلى أن التطور الطبيعي للبشر في زماننا الراهن، ومن ثم فيما يتلوه من سنوات وعقود في هذا القرن الواحد والعشرين، سوف يأتي محصلة لتفاعلات من نوع مستحدث آخر، وفي هذا الصدد بالذات يرى محللو كتابنا أن مؤلفه واقع إلى حد ليس بالهين تحت تأثير واحد من أهم علماء المستقبليات في الولايات المتحدة، حيث اختار مؤلفنا الإنجليزي الأصل أن يعيش ويعمل. ونقصد المفكر الأميركي رايكوزفيل
وفي إطار هذه المؤثرات يذهب المؤلف مع سطور الفصول الأخيرة من هذا الكتاب إلى أن التطور الطبيعي للبشرية من شأنه أولاً أن ينزع من الغرب (الأوروبي الأميركي) ميزة احتكار التفوق التي جسدت سيطرته على مقاليد عالمنا ردحا ليس بالقصير من عمر الزمان الحديث.
ومن ثم فهذا التطور من شأنه أن يجعل سيطرة الغرب أمرا مرحليا وله نهاية متوقعة إن لم يكن اليوم فهو الغد أو حتى بعد الغد.
والسبب كما توضحه سطور الكتاب هو ما يرتقبه المؤلف من تفاعلات حميمة كما يراها تصل في رأيه إلى درجة التلاحم أو الاندماج بين الإنسان الكائن البشري، والحاسوب الكائن الإلكتروني، حيث يفضي التطور إلى انتاج وتشغيل الروبوت المفرط الذكاء، هذا التطور الكفيل بأن يوصلنا إلى أشكال مستجدة وغير مسبوقة من الحياة المستندة إلى عالم السيلكون (إشارة إلى وادي السيلكون في كاليفورنيا غرب الولايات المتحدة حيث إبداعات ومبتكرات تكنولوجيا الحواسيب والروبوت، وهو كفيل في رأي المؤلف، حتى لا ننسى، بأن يمحو فروقات الموقع الجغرافي (المكاني) بقدر ما يؤدي إلى تقارب وتفاعل وربما تدامج أوضاع التطور التاريخي (الزماني) للأمم والشعوب.
العوامل الخمسة:
مع هذا كله فلا يملك المؤلف، خلال مسيرته اللاهثة الطويلة والموغلة في أحقاب التاريخ سوى أن يعترف بتفاعل العوامل المادية مع العوامل غير المادية. وهو يعزو تطور، أو عدم تطور الدول والشعوب إلى خمسة عوامل رئيسية يلخصها على النحو التالي:
تغير المناخ +
تدفقات الهجرة +
مأساة الجوع (بين الشعوب) +
انتشار الوباء +
فشل الدول في النهوض بواجباتها.
ورغم اتساع تعريف الشرق عند جمهرة مفكري العالم، إلا أن المؤلف يختار في معظم مقولات الكتاب أن يركز على بلد بعينه في ربوع هذا «الشرق» الذي يعرض له دوما بين طروحات الكتاب، وهذا البلد هو: الصين.
وعلى الرغم من أن المؤلف اختصاصي أساسا في دراسات الآثار والتاريخ القديم، إلا أنه كباحث معاصر لا يملك في تصورنا أن يتجاهل أثر التيارات والطروحات السياسية التي تحتشد بها بورصة التوقعات الراهنة في مضمار السياسة الدولية، ومن هنا كان إلحاح السؤال الجوهري الذي يكاد القارئ يلمسه متردداً في سطور الفصل الثاني عشر من هذا الكتاب، والسؤال هو:
ترى، لمن الغلبة في العقود المقبلة من هذا القرن الجديد، أميركا، أم الصين؟
أو بصورة أوضح على نحو ما يقول الناقد الأميركي أورفيل شل: هل تتحرك السطوة أو السيطرة من الغرب إلى الشرق، وبالتحديد من أميركا المفلسة (بمعنى المديونة) إلى الصين المزدهرة (بمعنى الدائنة لخزانة أميركا بمبالغ أكثر من طائلة بل فادحة كما قد نقول.
في هذا الصدد يرى المؤلف أن خلاص العالم في المرحلة القريبة المقبلة إنما يتلخص في حالة من التفاعل الدينامي والحميم بين الطرفين، الصيني والأميركي. وهو يحيل في هذا الخصوص إلى المصطلح الطريف الذي عمد إلى صياغته وسبكه اثنان من كبار علماء الشؤون الدولية المعاصرين وهما المؤرخ نيال فيرغسون والاقتصادي مورتيز شولاريك والمصطلح هو: «شيرمريكا.» وقد نترجمه بعد إذنك إلى ما يلي: «صيمريكا».
ويعني بداهة مزيجاً متداخلاً من كلمتيْ الصين وأميركا،
وهنا يحرص كتابنا على التنبيه إلى أن ذلك المصطلح لا يعني توافقاً بين الطرفين بقدر ما أنه لقاء قد تحتمه الأقدار وتفرضه المصائر والمصالح، حيث يعاني هذان الطرفان من مشكلات في الحاضر (أميركا) وفي المستقبل (الصين)، وهو يضيف منبّهاً أو محذّراً بأن العالم لم يعد يتحمل استمرار الصراعات التي طالما نشبت خلال القرن العشرين بين أطراف شتى سواء كانت أسبابها توسعا إقليميا أو صراعا على الموارد والنفوذ (كما شهدت ذلك الحربان العالميتان) أو كانت صراعا عقائديا أو مذهبيا (كما شهدت الحرب الباردة بين معسكري الشرق الاشتراكي والغرب الرأسمالي).
الكتاب يختم طروحاته بالتنبيه إلى أن المشكلات قد تتسم بطابع أوسع وأعمق وأخطر وأشمل، طابع عابر للحدود أحيانا أو طابع كوكبي (غلوبالي) أحيانا أخرى،
وهي مشكلات من قبيل ما يلي:
انتشار السلاح النووي،
عواقب الزيادات في حجم السكان مع تقلص الموارد،
تفشي أنماط مستجدة وأحيانا غير مسبوقة أو غير معروفة من الأمراض، هذا فضلا عن عواقب ظاهرة تغير المناخ وتدهور البيئة.
من هنا نقف بعين التدبر والتأمل عند المقولة التي يختم بها المؤلف هذا الكتاب وهي: إن الأربعين سنة المقبلة ستكون الأهم في التاريخ.
إعداد: حسب الرسول الطيب الشيخ
نقلا عن صحيفة الاتحاد االاشتراكي المغاربية
رد: عرض لكتاب أيان موريس لماذا يهيمن الغرب؟
إيان موريس والأربعون عام
نقلا عن صحيفة البيان الأماراتية ؛التاريخ: 24 ديسمبر 2010
يعتلي الغرب الآن قمة العالم، فهناك ما يقرب من سُبع سكان العالم فقط يعيشون في أوروبا أو أميركا الشمالية، ولكنهم يدرّون ثلثي ثروته، ويمتلكون ثلثي أسلحته، ويستأثرون بأكثر من ثلثي الإنفاق على البحث والتطوير.
وفي المتوسط، ينتج العمال في أميركا سبعة أضعاف إنتاج نظائرهم في الصين.
ولكن عندما قام الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون بزيارته الشهيرة إلى بكين عام 1972، كانت إنتاجية العمال في أميركا تعادل عشرين ضعف إنتاجية عمال الصين.
وكان نصيب الصين من الإنتاج العالمي وقتها 5٪، والآن يبلغ 14٪.
وتعد الصين حالياً ثاني أكبر اقتصاد في العالم (واليابان في المرتبة الثالثة)، وهي أكبر مصدر لانبعاثات الكربون. وأسرع سوبر كمبيوتر في العالم صيني. وسار صينيون في الفضاء، وربما يقفون على القمر قبل أن يعود الأميركيون إليه.
إننا نجتاز أكبر مرحلة تحول في الثروة والقوة والجاه، منذ أن دفعت الثورة الصناعية بأوروبا الغربية إلى الهيمنة العالمية قبل مئتي عام.
والقوة التي تدفع الشرق قدماً، هي تماماً القوة نفسها التي دفعت النهوض المبكر للغرب، والتي تتمثل في تفاعل الجغرافيا مع الاقتصاد والتكنولوجيا.
خلال القرن الخامس عشر، مكنت وسائل حديثة في الإبحار (كانت الريادة فيها للصين) السفن من عبور المحيطات.
وفجأة، فإن التفاصيل الجغرافية المتعلقة بكون أوروبا على بُعد ثلاثة آلاف ميل من ساحل شرق أميركا، بينما كانت الصين على بُعد ثمانية آلاف ميل من ساحلها الغربي، أصبحت أهم حقيقة في العالم، حيث كانت تعني أن الأوروبيين، وليس الصينيين، قد استوطنوا العالم الجديد، وأنشأوا أنواعاً جديدة من اقتصادات السوق حول سواحل المحيط الأطلسي.
وقد وفرت هذه الأسواق بالمثل حوافز جديدة دفعت الأوروبيين، وليس الصينيين، لترويض طاقة الوقود الأحفوري في إحداث ثورة صناعية، حيث ساعدت هذه الثورة في سفن البخار والسكك الحديدية، في تقلص العالم خلال القرن التاسع عشر، مطلقة العنان لإمكانات صناعية هائلة في الظهير الجغرافي لأميركا الشمالية. وبحلول عام 1900، حلت الولايات المتحدة محل أوروبا الغربية كبؤرة الثقل في العالم.
ولكن التاريخ لم يتوقف عند هذه النقطة. فقد واصلت التكنولوجيا تقليص العالم على مدار القرن العشرين. وبحلول العام 1950، لم يعد المحيط الهادئ يشكل حاجزاً أمام التجارة، أكثر مما كان المحيط الأطلسي قبل قرن مضى.
والآن جاء دور الإمكانات الصناعية الضخمة لشرق آسيا كي يطلق لها العنان. البداية كانت في اليابان، ثم كوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة وماليزيا.. والآن الصين أيضاً، حيث تم اجتذابها إلى الاقتصاد العالمي.
في القرن التاسع عشر، لم يكن بوسع الحكام ولا الجنود ولا المفكرين في الشرق، القيام بشيء لمنع الجغرافيا من تغيير المضمون. والآن، في القرن الحادي والعشرين، ليس بوسع الحكام ولا الجنود ولا المفكرين في الغرب القيام بشيء لوقف الجغرافيا عن تغيير المضمون مجدداً.
وبعد قول هذا، فإنه كان هناك الكثير أمام الشرقيين للقيام به من أجل إدارة نهوض الغرب. فقد كان رفض الصين لبعثة التجارة الحرة الكبيرة لبريطانيا عام 1793، بمثابة كارثة على الصين. وكان فشل الصين في تقوية دلتا نهري اللؤلؤ ويانغتسي ضد السفن الحربية البريطانية في عام 1840، أمراً أسوأ. وكان قرار اليابان بمهاجمة بيرل هاربور عام 1941، الأسوأ على الإطلاق.
وفي أي من تلك النقاط، وفي الكثير من النقاط الأخرى، فإن القرارات الأفضل كانت ستسفر عن إيرادات ضخمة بالنسبة للغرب.
وبالمثل، هناك المزيد مما يمكن للغربيين في القرن الحادي والعشرين القيام به لإدارة نهوض الشرق، وتعد مسألة سداد ديون الغرب أحد الأمثلة البارزة. فالتجارب التي تمر بها منطقة اليورو في الوقت الحالي، تظهر قدر الألم الذي سوف تعانيه، ولكن الجبن الذي ينتاب أميركا يهدد بالمزيد من التردي في المستقبل.
ويعتبر التشجيع على الهجرة من أجل موازنة السكان الذين بلغوا سن الشيخوخة، مثالاً آخر. فإذا لم يتم القيام بالمزيد، فإن أوروبا على وجه الخصوص، تواجه كارثة ديمغرافية بحلول عقد العشرينات من القرن الحالي.
إن تحرير أنفسنا من النفط والغاز يعتبر مطلباً ثالثاً، فالتنافس بين الشرق والغرب حول الموارد في قوس عدم الاستقرار، الذي يمتد من إفريقيا عبر منطقة الشرق الأوسط إلى آسيا الوسطى، يتسبب في متاعب، خاصة في الوقت الذي تؤدي سخونة الأرض والانتشار النووي، إلى إحداث المزيد من زعزعة استقرار.
ويعتبر استخدام القدرة العسكرية الأميركية من أجل ضمان النظام الدولي، أمراً هاماً بالقدر نفسه. ويشكل هذا عبئاً باهظاً، ولكن الأسلحة الأميركية هي التي تحفظ السلام في تايوان وكوريا لما يقرب من ستين عاماً، وسوف تكون الأسلحة الأميركية هي التي تحفظ سلام نهوض الصين في القرن الحادي والعشرين، إذا حدث أي شيء.
وأخيراً، فإن الضغط المتواصل على الصين من أجل فتح مجتمعها، يمكن أن يجني لها الفوائد فقط. فقد شملت الدول الـ18 التي انضمت إلى الصين في مقاطعتها لحفل توزيع جوائز نوبل أخيراً، الكثير من الدول المعادية للغرب، مثل إيران وفنزويلا.
وعلى المدى الطويل، فإن القوى العنيدة التي قوامها التغير والعولمة، ربما تحول القلق السائد اليوم بشأن نهوض الشرق إلى أمر لا أهمية له. وفي غضون مئة عام من الآن، لن تعني كلمتا الشرق والغرب أي شيء.
ولكن على المديين القصير والمتوسط، وفيما نحن نحاول حل المشكلات العالمية المتزايدة في إطار الدول الأممية التي تشكلت خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، فإن المخاطر سوف تغدو كبيرة. وفي عالم تملؤه أسلحة الدمار الشامل، فإن الفشل في إدارتها لا يعد خياراً مطروحاً. وسوف تكون الأربعون عاماً المقبلة، هي الأكثر أهمية في تاريخ البشر.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين يوليو 13, 2015 1:22 pm من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ
» مقدمة في الدراسات السودانية
الأربعاء أبريل 15, 2015 3:21 pm من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ
» الممالك السودانية القديمة
الأحد فبراير 15, 2015 2:29 pm من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ
» التعريف بالقرآن الكريم
الأحد ديسمبر 14, 2014 12:57 pm من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ
» أقصرتُ مذ عاد الزمانُ فأقْصَرا
الثلاثاء نوفمبر 25, 2014 1:33 pm من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ
» قصة خروج النبي صلى الله عليه وسلم الى الطائف
الأربعاء مايو 28, 2014 1:34 pm من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ
» قصة تحويل القبلة الى الكعبة
الأربعاء مايو 14, 2014 4:57 pm من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ
» حديث الاسراء والمعراج
الخميس مايو 08, 2014 4:56 pm من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ
» استقبال شهر الله رجب الأصب
الإثنين مايو 05, 2014 4:14 pm من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ