بحـث
المواضيع الأخيرة
الأصل في تقدير الديات
صفحة 1 من اصل 1
الأصل في تقدير الديات
بسم الله الرحمن الرحيم
الأصل في تقدير الديات
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ محمد - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين- أما بعد:-
فإن الحفاظ على النفس من الضروريات الخمس التي أمر الله بالحفاظ عليها؛ ولذا شُرع للإنسان أن يتناول الأكل والشراب اللازم لقيام بدنه،
كما شرع له النكاح والبحث عن مسكن،
وشرع له أيضاً التداوي من الأمراض واجتناب كل ما من شأنه أن يضره في بدنه ونفسه؛
فحرم عليه الخمر
والخنزير
وأكل الميتة
والدم
وما ولغ فيه الكلب...
كل ذلك ليحافظ على نفسه من الهلاك أو ليرفع عنها المشقة والعنت أو ليُكمّل لها الراحة والطمأنينة.
ومما يحافظ على النفس – أو بعضها - من الهلاك ويحميها من الضياع:
القصاص والديات والأروش؛
قال تعالى :
﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة:179]،
فالقيام بذلك يعني حماية النفس وصيانتها،
والتفريط فيه يعني هلاكها؛
ومن هنا كان كل من القصاص والدية عقوبات رادعة لمن اعتدى على هذه النفس المصانة.
والإسلام قد قدّر هذه الديات وحددها ولم يتركها وفقاً للأمزجة والأهواء والتعسف،
ولكنا نلحظ - في زماننا هذا – رخصاً واضحاً وتدنياً بيّناً في تقدير قيمة الديات،
حتى نجد أن هذه التقديرات الحالية غير رادعة، مما أدى إلى استهانة الناس بدماء بعضهم البعض، وأدى ذلك أيضاً إلى كثرة الثارات التي ربما تطول لعشرات السنين.
والناس اليوم لم يعودوا يتعاملون بالإبل والدينار والدرهم، أو أنهم يربون الأغنام والأبقار ولكن - في الغالب - بكميات قليلة.
لأجل ما سبق كله كان لا بد من دراسة أصول الديات التي يُرجع إليها في التقدير مهما اختلف الزمان أو المكان؛
فأقول والله موفقي ومسددي ومعيني:
تعريف الدية:
الدية في اللغة (مصدر ودية القاتل المقتول أي أعطى ديته، وأعطى لوليه المال الذي هو بدل النفس؛ ثم قيل لذلك المال الدية تسميةً بالمصدر.
قال في القاموس: الدِّيَةُ بالكسر: حَقُّ القَتيلِ جمعها: دِياتٌ).
وفي الصحاح: (وديت القتيل أديهِ ديةً إذا أعطيت ديته).
وفي لسان العرب: (الدِّيةُ: حَقُّ القَتـيلِ، وقد وَدَيْتُه وَدْياً.
قال الـجوهري: الدِّيةُ واحدة الدِّيات، والهاءُ عوض من الواو، تقول:
ودَيْتُ القَتِـيلَ أَدِيه دِيةً إِذا أَعطيت دِيَتَه،
و اتَّدَيْتُ أَي أَخذتُ دِيَتَه..
وأَصل الدِّية ودْية فحذفت الواو).
قال السرخسي: (واشتقاق الدية من الأداء؛ لأنها مال مؤدى في مقابلة متلف ليس بمال وهو النفس،
والأرش الواجب في الجناية على ما دون النفس مؤدى أيضاً،
وكذلك القيمة الواجبة في سائر المتلفات؛
إلا أن الدية اسم خاص في بدل النفس؛ لأن أهل اللغة لا يطردون الاشتقاق في جميع مواضعه لقصد التخصيص بالتعريف).
وقال ابن نجيم: (وقد صار هذا الاسم علماً على بدل النفوس دون غيرها وهو الأرش).
وأما معناها في الشرع:
(فالدية عبارة عما يؤدى).
وعُرفت بأنها: (مقدار معلوم من المال على عاقلة القاتل في الخطأ، وعليه في العمد؛ بسبب قتل آدمي حر معصوم - ولو بالنسبة لقاتله - عوضاً عن دمه).
وقال الشربيني الشافعي: (هي المال الواجب بجناية على الحر في نفس أو فيما دونها)
أصول الديات:
1- المذهب الحنبلي:
قال ابن قدامة: (أجمع أهل العلم على أن الإبل أصل في الدية وأن دية الحر المسلم مائة من الإبل،
وقد دلت عليه الأحاديث الواردة، منها حديث عمرو بن حزم،
وحديث عبد الله بن عمرو – رضي الله عنه - في دية خطأ العمد،
وحديث ابن مسعود – رضي الله عنه - في دية الخطأ)،
وظاهر كلام الخِرقي أن الإبل خاصة هي الأصل في الدية.
قال أبو الخطاب: (هذا إحدى الروايتين عن أحمد)؛ لحديث عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قتيل السوط والعصا
" مائة من الإبل "
ولأنه فرّق بين دية العمد والخطأ فغلظ بعضها وخفف بعضها؛ ولا يتحقق هذا إلا في الإبل؛
ولأنه بدل متلف حقاً لآدمي فكان متعيناً كعوض الأموال،
وعلى هذا فإن بقية ما ذكر أبدال عنها أشبه المتيمم إذا عُدِم الماء، لأن ذلك أقل ما تُحمل عليه الأحاديث،
ونسب ابن قدامة هذا القول لطاووس والشافعي وابن المنذر . فدل هذا على أن الأصل في الدية هي الإبل.
وعليه فلا يُصار إلى غيرها إلا عند الإعواز؛
قال ابن قدامة – رحمه الله -: (فإن أعوزت أولم توجد إلا بأكثر من ثمن مثلها فله الانتقال إلى أحد هذه الأنواع؛ لأنها أبدال عنها فيصار إليها عند إعوازها كالقيمة في بدل المثليات)،
وعليه فمن وجبت عليه الدية وجب تسليمها من الإبل، وأيهما أراد العدول إلى غيرها فللآخر منعه، لأن الحق متعين فيها كالمثل في المثليات .
وقال القاضي: لا يختلف المذهب أن أصول الدية الإبل والذهب والورق والبقر والغنم؛ فهذه خمسة لا يختلف المذهب فيها ؛
وهذا قول عمر وعطاء وطاووس وفقهاء المدينة السبعة، وبه قال الثوري وابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد ؛ لأن عمرو بن حزم روى في كتابه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى أهل اليمن :
" وأن في النفس مائة من الإبل وعلى أهل الذهب ألف دينار " رواه النسائي ،
وروى ابن عباس - رضي الله عنه - أن رجلاً من بني عدي قُتل،
" فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ديته اثني عشر ألفاً " رواه أبو داود والنسائي ،
فهذه الأحاديث كلها دالة على أن تقويم الإبل بالذهب والفضة كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،
وعن عمر - رضي الله عنه - أنه (فرض على أهل الذهب ألف دينار في الدية وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم)،
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن عمر- رضي الله عنه - قام خطيباً فقال:
ألا إن الإبل قد غلت فقوّم على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثني عشر ألفاً، وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الشاة ألف شاة وعلى أهل الحلل مائتي حلة " رواه أبو داود ؛
وكان هذا بمحضر من الصحابة فكان إجماعا ،
فهذه الأحاديث كلها دالة على أن تقويم الإبل بالذهب والفضة لم يكن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنما كان من عمر.
وقد دل هذا على أن الأصل في الدية هي هذه الأنواع الخمسة؛
وعليه فأي شيء أحضره من عليه الدية لزم الولي قبوله؛ لأنها أبدال عن فائت فكانت الخيرة إلى المعطي كالأعيان في الجنس الواحد.
واختلفوا في الحلل؛ هل هي أصل سادس على روايتين .
وقد رُدّ على حديث ابن عباس باحتمال أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوجب الورق بدلاً عن الإبل؛
والخلاف في كونها أصلاً لا بدلاً.
وأما حديث عمرو بن شعيب فيدل على أن الأصل هو الإبل
فإن إيجابه لهذه المذكورات على سبيل التقويم كان لغلاء الإبل،
ولو كانت أصولاً بنفسها لم يكن إيجابها تقويماً للإبل، ولا كان لغلاء الإبل أثر في ذلك ولا لذكره معنى،
وقد روي أن الإبل كانت تقوم قبل أن تغلو بثمانية آلاف درهم .
والظاهر من خلال ما سبق أن الحنابلة في أصل الدية على فريقين:
أنها الإبل خاصة ولا ينتقل إلى غيرها إلا عند الإعواز أو التراضي،
وقيل: أنها من الأنواع الخمسة.
وقد أشار إلى هذين القولين أبو الخطاب كما تقدم، وإليه أشار ابن قدامة أيضاً في الكافي.
2- المذهب الحنفي:
قال الكاساني - رحمه الله -: (قال أبو حنيفة - رحمه الله -: الذي تجب منه الدية وتقضى منه ثلاثة أجناس:
الإبل والذهب والفضة)
واحتج له بقوله - صلى الله عليه وسلم – في حديث ابن حزم المتقدم
" في النفس مائة من الإبل "
وقد تقدم فقد جعل - عليه الصلاة والسلام - الواجب (من الإبل) بالإشارة إليها؛ فظاهره يقتضي الوجوب منها على التعيين،
إلا أن الواجب من الصنفين الأخيرين (وهما الذهب والفضة) ثبت بدليل آخر، فقد ذكر الشعبي عن عبيدة السلماني أن عمر بن الخطاب –رضي الله عنه -
" لما دوّن الدواوين جعل الدية على أهل الإبل مائة من الإبل وعلى أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم "،
وقضاؤه ذلك كان بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه أحد فحل محل الإجماع منهم ؛ فمن ادعى الوجوب في الأصناف الأخرى فعليه الدليل.
والمعنى – على هذا القول - أن للقاضي أن يقضي بالدية من الدراهم أو الدنانير ، وليست الدراهم والدنانير بدلاً عن الإبل بل هي أصل بذاتها.
قال السرخسي: (فلو كان الأصل في الدية الإبل - وهي دَيْن - والدراهم والدنانير بدل عنها كان هذا ديناً بدين ونسيئةً بنسيئة، وذلك حرام شرعاً، يوضحه أن الآدمي - بالقيمة -كسائر الحيوانات، والأصل في القيمة: الدراهم والدنانير؛ إلا أن القضاء بالإبل كان بطريق التيسير عليهم؛ لأنهم كانوا أرباب الإبل وكانت النقود تتعسر منهم، ولأنهم كانوا يستوفون الدية على أظهر الوجوه ليندفع بها بعض الشر عنهم، وذلك في الإبل أظهر منه في النقود؛ فكانت (أي الإبل) بخلاف القياس بهذا المعنى، ولكن لا يسقط بها ما هو الأصل في قيمة المتلفات (وهو النقدين) أهـ
وعند أبي يوسف ومحمد – رحمهما الله تعالى - (أصول الدية ستة أجناس:
الإبل والذهب والفضة والبقر والغنم والحلل)
واحتجا بقضية عمر - رضي الله عنه - المتقدمة وبما روي عن جابر - رضي الله عنه - أن النبي – صلى الله عليه وسلم -
" فرض في الدية، على أهل الإبل مائة من الإبل، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل هذه الشياة ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حلة " رواه أبو داود.
وقد رُدّ ما استدلا به من قضية عمر - رضي الله عنه - بأنه إنما قضى بذلك حين كانت الديات على العواقل فلما نقلها إلى الديوان قضى بها من الأجناس الثلاثة،
وقد ذكر الكاساني أن في كتاب المعاقل ما يدل على أنه لا خلاف بينهم، فإنه قال:
لو صالح الولي على أكثر من مائتي بقرة أو مائتي حلة لم يجز بالإجماع ولو لم يكن ذلك من جنس الدية لجاز .
ورُدّ عليهما أيضاً بأن التقدير إنما يستقيم بشيء معلوم المالية وهذه الأشياء مجهولة المالية؛ ولهذا لا يقدر بها ضمان المتلفات، والتقدير بالإبل عُرِف بالآثار المشهورة ولم يوجد ذلك في غيرها فلا يعدل عن القياس، والآثار التي وردت فيها تحتمل القضاء فيها بطريق الصلح فلا يلزم حجة .
والخلاصة: أن للحنفية قولان في أصل الدية:
هي من الثلاثة الأجناس (الإبل والذهب والفضة)،
هي من الستة الأجناس (الإبل والذهب والفضة والبقر والغنم والحلل)
3- المذهب المالكي:
نقل ابن رشد - رحمه الله - أن مذهب مالك كمذهب أبي حنيفة:
أن الأصل في الدية هو الإبل والذهب والورق، قال:
(ومالك وأبو حنيفة وجماعة متفقون على أن الدية لا تؤخذ إلا من الإبل أو الذهب أو الورق) أهـ، وما ذاك إلا لأنه غالب كسبهم .
قال ابن عبد البر - رحمه الله -:
(وأما أقاويل الفقهاء فإن مالكا والشافعي في أحد قوليه وأبا حنيفة وزفر ذهبوا إلى أن الدية من الإبل والدنانير والدراهم، ولم يختلفوا هم ولا غيرهم أن الإبل مائة من الإبل وكذلك لم يختلفوا أن الذهب ألف دينار) .
وقال محمد بن عبد الباقي الزرقاني- رحمه الله -:
(قال مالك: فأهل الذهب أهل الشام وأهل مصر وأهل المغرب، وأهل الورق أهل العراق، والأمر المجتمع عليه عندنا أنه لا يقبل من أهل القرى في الدية الإبل لأنه خلاف الواجب عليهم من ذهب أو فضة، ولا من أهل العمود الذهب ولا الورق لأن المفروض عليهم الإبل، ولا من أهل الذهب الورق، ولا من أهل الورق الذهب؛ فإنما يقبل من كلٍ ما وجب عليه)
والحاصل: أن الأصل في الدية عند المالكية هو من الثلاثة الأجناس (الإبل والذهب والفضة).
4- المذهب الشافعي:
قال في المهذب: (وتجب الدية من الصنف الذي يملكه من تجب عليه الدية من القاتل أو العاقلة، كما تجب الزكاة من الصنف الذي يملكه من تجب عليه الزكاة) .
وقال النووي - رحمه الله -: (ومن لزمته - أي الدية - وله إبل فمنها.. ثم قال: ولا يعدل إلى نوع وقيمة إلا بتراض، ولو عدمت فالقديم: ألف دينار أو اثنا عشر ألف درهم، والجديد: قيمتها بنقد بلده وإن وجد بعض أخذ وقيمة الباقي)
فمفهوم كلامه أن الإبل هي الأصل وإنما الدنانير والدراهم بدل عنها عند الإعواز.
وقد نقل ابن عبد البر - رحمه الله - ذلك عن الشافعية، قال: (وقال المزني: قال الشافعي:
الدية الإبل، فإن أعوزت الإبل فقيمتها بالدنانير والدراهم على ما قوّمها عمر بن الخطاب ألف دينار على أهل الذهب واثنا عشر ألف درهم على أهل الورق)
وعليه فلا ينتقل إلى الذهب أو الفضة إلا برضا المجني عليه،
قال في المهذب:
(وإن أراد الجاني دفع العوض عن الإبل مع وجودها لم يجبر الولي على قبوله، وإن أراد الولي أخذ العوض عن الإبل مع وجودها لم يجبر الجاني على دفعه، لأن ما ضمن لحق الآدمي ببدل لم يجز الإجبار فيه على دفع العوض ولا على أخذه مع وجوده كذوات الأمثال، وإن تراضيا على العوض جاز؛ لأنه بدل متلف فجاز أخذ العوض فيه بالتراضي كالبدل في سائر المتلفات) .
إلا أن لهم قولين فيما إذا أعوزت الإبل أو وجدت بأكثر من ثمن المثل؛ فقال في القديم:
يجب ألف دينار أو اثنا عشر ألف درهم؛ لما روى عمرو بن حزم،
وقال في الجديد:
تجب قيمة الإبل بالغة ما بلغت لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده .
(قال الشافعي:
والعلم محيطٌ بأنه لم يقوّمها إلا قيمة يومها للإعواز؛
قال: ولا تقوّم بغير الدنانير والدراهم؛
قال: ولو جاز أن تقوّم بغير الدنانير والدراهم جعلنا على أهل الخيلِ الخيلُ وعلى أهل الطعامِ الطعامُ، وهذا لا يقوله أحد.
قال أبو عمر – ابن عبد البر -: قد قاله بعض من شذ).
والخلاصة:
أن الشافعية يرون أن الأصل في الدية هي الإبل وأنه لا يُنـتقل عنها إلى غيرها إلا بالإعواز أو التراضي.
5- المذهب الزيدي:
ذكر الإمام المهدي في الأزهار أن الدية عندهم
(مائة من الإبل ومائتا بقرة وألفا شاة ومن الذهب ألف مثقال ومن الفضة عشرة آلاف درهم)؛
قال القاضي العنسي في شرحه على الأزهار:
(وهذه الأصناف الأربعة عندنا كلها أصول يخير الجاني ووارثه وكذا العاقلة فيما بينها).
ولعله اعتبر النقدين أصلاً واحداً، وقال السيد حسن الجلال في شرحه على الأزهار:
(ثبوت الذهب في حديث عمرو بن حزم والبقر والشاء والحلل في حديث جابر دليل أن كل نوع أصل على أربابه دون غيرهم) ،
وقال ابن الأمير الصنعاني معلقاً على كلام الجلال هذا:
(هذا حسن جداً ويدل له أحاديث على أهل كذا كذا وعلى أهل كذا كذا، ويدل له حديث عمرو بن شعيب..)
وقال الشوكاني في شرحه على الأزهار عند قوله (ويخير الجاني فيما بينها): (هذا هو الحق لأن النبي - صلى الله عليه وسلم – فرض كل نوع من أنواعها ولم يبين لنا أن هذا أصل وهذا بدل وإنما كثر ذكر الإبل لأنها غالب أموال العرب..)
والخلاصة:
أن الزيدية يرون أن أصناف الدية هي الإبل والبقر والشياة والذهب والفضة.
الترجيح:
أقول:
قد جاء في هذه المسألة -كما ترى - أحاديث ظاهرها التعارض ففي بعضها أن تقدير الدية بالقيمة كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وفي أخرى أن تقديرها كان من أبي بكر، عن عمرو بن شعيب قال:" قضى أبو بكر رضي الله عنه على أهل القرى حين كثر المال وغلت الإبل فأقام مائة من الإبل بستمائة دينار إلى ثمانمائة دينار
فقد أفاد هذا الحديث أن تقدير الذهب كان من أبي بكر، ولكن الحديث ضعيف، وفي أحاديث أخرى أن هذا التقدير كان من عمر، عن ابن عمرو قال: " كانت قيمة الدية على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمانمائة دينار أو ثمانية آلاف درهم ودية أهل الكتاب يومئذ النصف من دية المسلمين. قال: فكان ذلك كذلك حتى استخلف عمر - رحمه الله - فقام خطيباً.. ففي هذا الحديث تقدير هذه الأصول،
وفيه جواز أخذ القيمة عنها، وعن مكحول وعطاء قالوا: أدركنا الناس على أن دية المسلم الحر على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - مائة من الإبل فقوم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - تلك الدية على أهل القرى ألف دينار واثني عشر ألف درهم ودية الحرة المسلمة إذا كانت من أهل القرى خمسمائة دينار أو ستة آلاف درهم،
فإذا كان الذي أصابها من الأعراب فديتها خمسون من الإبل، ودية الأعرابية إذا أصابها الأعرابي خمسون من الإبل لا يكلف الأعرابي الذهب ولا الورق،
ففيه أن تقدير الذهب كان من عمر، ولكن الحديث ضعيف. ومع ضعف بعض الأحاديث إلا أنه لا تعارض بينها - على فرض صحتها - فإن الذي قدر هذه القِيَم هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولاً
ثم لما تغير سعر الإبل في عهد أبي بكر غير من قيمة الذهب والفضة الغنم والبقر
ثم لما كان عمر وتغير السعر كذلك غير من قيمتها ففهم ذلك أبو بكر وعمر من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع بقاء الإبل على عددها من دون تغير فأفاد ذلك أن الإبل هي الأصل.
كما أن هناك أحاديثاً أخرى تدل أن الذي قدّر الذهب والفضة والغنم.. هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كحديث عطاء بن أبي رباح " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في الدية على أهل الإبل مائة من الإبل وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الشاء ألفي شاة وعلى أهل الحلل مائتي حلة وعلى أهل القمح شيئاً لم يحفظه محمد"،
فقد دل على أن تقدير هذه الأصول كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن الحديث ضعيف،
ومثله حديث أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم.. وفيه " وأن الرجل يقتل بالمرأة وعلى أهل الذهب ألف دينار "، وفيه أن تقدير الذهب كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن الحديث ضعيف؛ ولكنه قد قوّاهما حديث عمرو بن شعيب وفيه " من قتل خطأ فديته مائة من الإبل.. قال: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقومها على أهل القرى أربعمائة دينار أو عدلها من الورق ويقومها على أهل الإبل إذا غلت رفع في قيمتها وإذا هانت نقص من قيمتها على نحو الزمان ما كان فبلغ قيمتها على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بين الأربعمائة دينار إلى ثمانمائة دينار أو عدلها من الورق. قال " وقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن من كان عقله في البقر على أهل البقر مائتي بقرة ومن كان عقله في الشاة ألفى شاة..، فقد أفاد أيضاً أن تقدير هذه الأصول كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيه جواز أخذ القيمة عنها. وعليه فإن الذهب والفضة والغنم والبقر من أصول الديات.
ولا يتعارض هذا مع قولنا: إن الإبل هي الأصل؛ فإن الجميع أصل؛ ولكن الإبل هي أصل هذه الأصول،
وعليه فإن حصل تفاوت في قِيَم هذه الأصول فإن المرجع في تقدير الدية هو تقديرها بالمقارنة مع قيمة الإبل، وأما إن تقاربت قِيمها فيصح تقدير الدية - والحال هذه - بأحد الأصناف الأربعة الأخرى؛ أكد ذلك أنه لا دية مغلظة إلا في الإبل، والله تعالى أعلى وأعلم.
والله الهادي إلى سواء السبيل
وهو حسبنا ونعم الوكيل
وسبحان الله وبحمده؛ سبحان الله العظيم
كتبه الفقير إلى عفو ربه العلي:
علي بن عبد الرحمن بن علي دبيس
الثلاثاء - 5 ربيع الأول 1427هـ، 4 إبريل 2006م
نقلا عن جامعة الايمان على الرابط :
http://www.jameataleman.org/ftawha/ahoal/ahoal1.htm
الأصل في تقدير الديات
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ محمد - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين- أما بعد:-
فإن الحفاظ على النفس من الضروريات الخمس التي أمر الله بالحفاظ عليها؛ ولذا شُرع للإنسان أن يتناول الأكل والشراب اللازم لقيام بدنه،
كما شرع له النكاح والبحث عن مسكن،
وشرع له أيضاً التداوي من الأمراض واجتناب كل ما من شأنه أن يضره في بدنه ونفسه؛
فحرم عليه الخمر
والخنزير
وأكل الميتة
والدم
وما ولغ فيه الكلب...
كل ذلك ليحافظ على نفسه من الهلاك أو ليرفع عنها المشقة والعنت أو ليُكمّل لها الراحة والطمأنينة.
ومما يحافظ على النفس – أو بعضها - من الهلاك ويحميها من الضياع:
القصاص والديات والأروش؛
قال تعالى :
﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة:179]،
فالقيام بذلك يعني حماية النفس وصيانتها،
والتفريط فيه يعني هلاكها؛
ومن هنا كان كل من القصاص والدية عقوبات رادعة لمن اعتدى على هذه النفس المصانة.
والإسلام قد قدّر هذه الديات وحددها ولم يتركها وفقاً للأمزجة والأهواء والتعسف،
ولكنا نلحظ - في زماننا هذا – رخصاً واضحاً وتدنياً بيّناً في تقدير قيمة الديات،
حتى نجد أن هذه التقديرات الحالية غير رادعة، مما أدى إلى استهانة الناس بدماء بعضهم البعض، وأدى ذلك أيضاً إلى كثرة الثارات التي ربما تطول لعشرات السنين.
والناس اليوم لم يعودوا يتعاملون بالإبل والدينار والدرهم، أو أنهم يربون الأغنام والأبقار ولكن - في الغالب - بكميات قليلة.
لأجل ما سبق كله كان لا بد من دراسة أصول الديات التي يُرجع إليها في التقدير مهما اختلف الزمان أو المكان؛
فأقول والله موفقي ومسددي ومعيني:
تعريف الدية:
الدية في اللغة (مصدر ودية القاتل المقتول أي أعطى ديته، وأعطى لوليه المال الذي هو بدل النفس؛ ثم قيل لذلك المال الدية تسميةً بالمصدر.
قال في القاموس: الدِّيَةُ بالكسر: حَقُّ القَتيلِ جمعها: دِياتٌ).
وفي الصحاح: (وديت القتيل أديهِ ديةً إذا أعطيت ديته).
وفي لسان العرب: (الدِّيةُ: حَقُّ القَتـيلِ، وقد وَدَيْتُه وَدْياً.
قال الـجوهري: الدِّيةُ واحدة الدِّيات، والهاءُ عوض من الواو، تقول:
ودَيْتُ القَتِـيلَ أَدِيه دِيةً إِذا أَعطيت دِيَتَه،
و اتَّدَيْتُ أَي أَخذتُ دِيَتَه..
وأَصل الدِّية ودْية فحذفت الواو).
قال السرخسي: (واشتقاق الدية من الأداء؛ لأنها مال مؤدى في مقابلة متلف ليس بمال وهو النفس،
والأرش الواجب في الجناية على ما دون النفس مؤدى أيضاً،
وكذلك القيمة الواجبة في سائر المتلفات؛
إلا أن الدية اسم خاص في بدل النفس؛ لأن أهل اللغة لا يطردون الاشتقاق في جميع مواضعه لقصد التخصيص بالتعريف).
وقال ابن نجيم: (وقد صار هذا الاسم علماً على بدل النفوس دون غيرها وهو الأرش).
وأما معناها في الشرع:
(فالدية عبارة عما يؤدى).
وعُرفت بأنها: (مقدار معلوم من المال على عاقلة القاتل في الخطأ، وعليه في العمد؛ بسبب قتل آدمي حر معصوم - ولو بالنسبة لقاتله - عوضاً عن دمه).
وقال الشربيني الشافعي: (هي المال الواجب بجناية على الحر في نفس أو فيما دونها)
أصول الديات:
1- المذهب الحنبلي:
قال ابن قدامة: (أجمع أهل العلم على أن الإبل أصل في الدية وأن دية الحر المسلم مائة من الإبل،
وقد دلت عليه الأحاديث الواردة، منها حديث عمرو بن حزم،
وحديث عبد الله بن عمرو – رضي الله عنه - في دية خطأ العمد،
وحديث ابن مسعود – رضي الله عنه - في دية الخطأ)،
وظاهر كلام الخِرقي أن الإبل خاصة هي الأصل في الدية.
قال أبو الخطاب: (هذا إحدى الروايتين عن أحمد)؛ لحديث عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قتيل السوط والعصا
" مائة من الإبل "
ولأنه فرّق بين دية العمد والخطأ فغلظ بعضها وخفف بعضها؛ ولا يتحقق هذا إلا في الإبل؛
ولأنه بدل متلف حقاً لآدمي فكان متعيناً كعوض الأموال،
وعلى هذا فإن بقية ما ذكر أبدال عنها أشبه المتيمم إذا عُدِم الماء، لأن ذلك أقل ما تُحمل عليه الأحاديث،
ونسب ابن قدامة هذا القول لطاووس والشافعي وابن المنذر . فدل هذا على أن الأصل في الدية هي الإبل.
وعليه فلا يُصار إلى غيرها إلا عند الإعواز؛
قال ابن قدامة – رحمه الله -: (فإن أعوزت أولم توجد إلا بأكثر من ثمن مثلها فله الانتقال إلى أحد هذه الأنواع؛ لأنها أبدال عنها فيصار إليها عند إعوازها كالقيمة في بدل المثليات)،
وعليه فمن وجبت عليه الدية وجب تسليمها من الإبل، وأيهما أراد العدول إلى غيرها فللآخر منعه، لأن الحق متعين فيها كالمثل في المثليات .
وقال القاضي: لا يختلف المذهب أن أصول الدية الإبل والذهب والورق والبقر والغنم؛ فهذه خمسة لا يختلف المذهب فيها ؛
وهذا قول عمر وعطاء وطاووس وفقهاء المدينة السبعة، وبه قال الثوري وابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد ؛ لأن عمرو بن حزم روى في كتابه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى أهل اليمن :
" وأن في النفس مائة من الإبل وعلى أهل الذهب ألف دينار " رواه النسائي ،
وروى ابن عباس - رضي الله عنه - أن رجلاً من بني عدي قُتل،
" فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ديته اثني عشر ألفاً " رواه أبو داود والنسائي ،
فهذه الأحاديث كلها دالة على أن تقويم الإبل بالذهب والفضة كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،
وعن عمر - رضي الله عنه - أنه (فرض على أهل الذهب ألف دينار في الدية وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم)،
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن عمر- رضي الله عنه - قام خطيباً فقال:
ألا إن الإبل قد غلت فقوّم على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثني عشر ألفاً، وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الشاة ألف شاة وعلى أهل الحلل مائتي حلة " رواه أبو داود ؛
وكان هذا بمحضر من الصحابة فكان إجماعا ،
فهذه الأحاديث كلها دالة على أن تقويم الإبل بالذهب والفضة لم يكن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنما كان من عمر.
وقد دل هذا على أن الأصل في الدية هي هذه الأنواع الخمسة؛
وعليه فأي شيء أحضره من عليه الدية لزم الولي قبوله؛ لأنها أبدال عن فائت فكانت الخيرة إلى المعطي كالأعيان في الجنس الواحد.
واختلفوا في الحلل؛ هل هي أصل سادس على روايتين .
وقد رُدّ على حديث ابن عباس باحتمال أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوجب الورق بدلاً عن الإبل؛
والخلاف في كونها أصلاً لا بدلاً.
وأما حديث عمرو بن شعيب فيدل على أن الأصل هو الإبل
فإن إيجابه لهذه المذكورات على سبيل التقويم كان لغلاء الإبل،
ولو كانت أصولاً بنفسها لم يكن إيجابها تقويماً للإبل، ولا كان لغلاء الإبل أثر في ذلك ولا لذكره معنى،
وقد روي أن الإبل كانت تقوم قبل أن تغلو بثمانية آلاف درهم .
والظاهر من خلال ما سبق أن الحنابلة في أصل الدية على فريقين:
أنها الإبل خاصة ولا ينتقل إلى غيرها إلا عند الإعواز أو التراضي،
وقيل: أنها من الأنواع الخمسة.
وقد أشار إلى هذين القولين أبو الخطاب كما تقدم، وإليه أشار ابن قدامة أيضاً في الكافي.
2- المذهب الحنفي:
قال الكاساني - رحمه الله -: (قال أبو حنيفة - رحمه الله -: الذي تجب منه الدية وتقضى منه ثلاثة أجناس:
الإبل والذهب والفضة)
واحتج له بقوله - صلى الله عليه وسلم – في حديث ابن حزم المتقدم
" في النفس مائة من الإبل "
وقد تقدم فقد جعل - عليه الصلاة والسلام - الواجب (من الإبل) بالإشارة إليها؛ فظاهره يقتضي الوجوب منها على التعيين،
إلا أن الواجب من الصنفين الأخيرين (وهما الذهب والفضة) ثبت بدليل آخر، فقد ذكر الشعبي عن عبيدة السلماني أن عمر بن الخطاب –رضي الله عنه -
" لما دوّن الدواوين جعل الدية على أهل الإبل مائة من الإبل وعلى أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم "،
وقضاؤه ذلك كان بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه أحد فحل محل الإجماع منهم ؛ فمن ادعى الوجوب في الأصناف الأخرى فعليه الدليل.
والمعنى – على هذا القول - أن للقاضي أن يقضي بالدية من الدراهم أو الدنانير ، وليست الدراهم والدنانير بدلاً عن الإبل بل هي أصل بذاتها.
قال السرخسي: (فلو كان الأصل في الدية الإبل - وهي دَيْن - والدراهم والدنانير بدل عنها كان هذا ديناً بدين ونسيئةً بنسيئة، وذلك حرام شرعاً، يوضحه أن الآدمي - بالقيمة -كسائر الحيوانات، والأصل في القيمة: الدراهم والدنانير؛ إلا أن القضاء بالإبل كان بطريق التيسير عليهم؛ لأنهم كانوا أرباب الإبل وكانت النقود تتعسر منهم، ولأنهم كانوا يستوفون الدية على أظهر الوجوه ليندفع بها بعض الشر عنهم، وذلك في الإبل أظهر منه في النقود؛ فكانت (أي الإبل) بخلاف القياس بهذا المعنى، ولكن لا يسقط بها ما هو الأصل في قيمة المتلفات (وهو النقدين) أهـ
وعند أبي يوسف ومحمد – رحمهما الله تعالى - (أصول الدية ستة أجناس:
الإبل والذهب والفضة والبقر والغنم والحلل)
واحتجا بقضية عمر - رضي الله عنه - المتقدمة وبما روي عن جابر - رضي الله عنه - أن النبي – صلى الله عليه وسلم -
" فرض في الدية، على أهل الإبل مائة من الإبل، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل هذه الشياة ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حلة " رواه أبو داود.
وقد رُدّ ما استدلا به من قضية عمر - رضي الله عنه - بأنه إنما قضى بذلك حين كانت الديات على العواقل فلما نقلها إلى الديوان قضى بها من الأجناس الثلاثة،
وقد ذكر الكاساني أن في كتاب المعاقل ما يدل على أنه لا خلاف بينهم، فإنه قال:
لو صالح الولي على أكثر من مائتي بقرة أو مائتي حلة لم يجز بالإجماع ولو لم يكن ذلك من جنس الدية لجاز .
ورُدّ عليهما أيضاً بأن التقدير إنما يستقيم بشيء معلوم المالية وهذه الأشياء مجهولة المالية؛ ولهذا لا يقدر بها ضمان المتلفات، والتقدير بالإبل عُرِف بالآثار المشهورة ولم يوجد ذلك في غيرها فلا يعدل عن القياس، والآثار التي وردت فيها تحتمل القضاء فيها بطريق الصلح فلا يلزم حجة .
والخلاصة: أن للحنفية قولان في أصل الدية:
هي من الثلاثة الأجناس (الإبل والذهب والفضة)،
هي من الستة الأجناس (الإبل والذهب والفضة والبقر والغنم والحلل)
3- المذهب المالكي:
نقل ابن رشد - رحمه الله - أن مذهب مالك كمذهب أبي حنيفة:
أن الأصل في الدية هو الإبل والذهب والورق، قال:
(ومالك وأبو حنيفة وجماعة متفقون على أن الدية لا تؤخذ إلا من الإبل أو الذهب أو الورق) أهـ، وما ذاك إلا لأنه غالب كسبهم .
قال ابن عبد البر - رحمه الله -:
(وأما أقاويل الفقهاء فإن مالكا والشافعي في أحد قوليه وأبا حنيفة وزفر ذهبوا إلى أن الدية من الإبل والدنانير والدراهم، ولم يختلفوا هم ولا غيرهم أن الإبل مائة من الإبل وكذلك لم يختلفوا أن الذهب ألف دينار) .
وقال محمد بن عبد الباقي الزرقاني- رحمه الله -:
(قال مالك: فأهل الذهب أهل الشام وأهل مصر وأهل المغرب، وأهل الورق أهل العراق، والأمر المجتمع عليه عندنا أنه لا يقبل من أهل القرى في الدية الإبل لأنه خلاف الواجب عليهم من ذهب أو فضة، ولا من أهل العمود الذهب ولا الورق لأن المفروض عليهم الإبل، ولا من أهل الذهب الورق، ولا من أهل الورق الذهب؛ فإنما يقبل من كلٍ ما وجب عليه)
والحاصل: أن الأصل في الدية عند المالكية هو من الثلاثة الأجناس (الإبل والذهب والفضة).
4- المذهب الشافعي:
قال في المهذب: (وتجب الدية من الصنف الذي يملكه من تجب عليه الدية من القاتل أو العاقلة، كما تجب الزكاة من الصنف الذي يملكه من تجب عليه الزكاة) .
وقال النووي - رحمه الله -: (ومن لزمته - أي الدية - وله إبل فمنها.. ثم قال: ولا يعدل إلى نوع وقيمة إلا بتراض، ولو عدمت فالقديم: ألف دينار أو اثنا عشر ألف درهم، والجديد: قيمتها بنقد بلده وإن وجد بعض أخذ وقيمة الباقي)
فمفهوم كلامه أن الإبل هي الأصل وإنما الدنانير والدراهم بدل عنها عند الإعواز.
وقد نقل ابن عبد البر - رحمه الله - ذلك عن الشافعية، قال: (وقال المزني: قال الشافعي:
الدية الإبل، فإن أعوزت الإبل فقيمتها بالدنانير والدراهم على ما قوّمها عمر بن الخطاب ألف دينار على أهل الذهب واثنا عشر ألف درهم على أهل الورق)
وعليه فلا ينتقل إلى الذهب أو الفضة إلا برضا المجني عليه،
قال في المهذب:
(وإن أراد الجاني دفع العوض عن الإبل مع وجودها لم يجبر الولي على قبوله، وإن أراد الولي أخذ العوض عن الإبل مع وجودها لم يجبر الجاني على دفعه، لأن ما ضمن لحق الآدمي ببدل لم يجز الإجبار فيه على دفع العوض ولا على أخذه مع وجوده كذوات الأمثال، وإن تراضيا على العوض جاز؛ لأنه بدل متلف فجاز أخذ العوض فيه بالتراضي كالبدل في سائر المتلفات) .
إلا أن لهم قولين فيما إذا أعوزت الإبل أو وجدت بأكثر من ثمن المثل؛ فقال في القديم:
يجب ألف دينار أو اثنا عشر ألف درهم؛ لما روى عمرو بن حزم،
وقال في الجديد:
تجب قيمة الإبل بالغة ما بلغت لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده .
(قال الشافعي:
والعلم محيطٌ بأنه لم يقوّمها إلا قيمة يومها للإعواز؛
قال: ولا تقوّم بغير الدنانير والدراهم؛
قال: ولو جاز أن تقوّم بغير الدنانير والدراهم جعلنا على أهل الخيلِ الخيلُ وعلى أهل الطعامِ الطعامُ، وهذا لا يقوله أحد.
قال أبو عمر – ابن عبد البر -: قد قاله بعض من شذ).
والخلاصة:
أن الشافعية يرون أن الأصل في الدية هي الإبل وأنه لا يُنـتقل عنها إلى غيرها إلا بالإعواز أو التراضي.
5- المذهب الزيدي:
ذكر الإمام المهدي في الأزهار أن الدية عندهم
(مائة من الإبل ومائتا بقرة وألفا شاة ومن الذهب ألف مثقال ومن الفضة عشرة آلاف درهم)؛
قال القاضي العنسي في شرحه على الأزهار:
(وهذه الأصناف الأربعة عندنا كلها أصول يخير الجاني ووارثه وكذا العاقلة فيما بينها).
ولعله اعتبر النقدين أصلاً واحداً، وقال السيد حسن الجلال في شرحه على الأزهار:
(ثبوت الذهب في حديث عمرو بن حزم والبقر والشاء والحلل في حديث جابر دليل أن كل نوع أصل على أربابه دون غيرهم) ،
وقال ابن الأمير الصنعاني معلقاً على كلام الجلال هذا:
(هذا حسن جداً ويدل له أحاديث على أهل كذا كذا وعلى أهل كذا كذا، ويدل له حديث عمرو بن شعيب..)
وقال الشوكاني في شرحه على الأزهار عند قوله (ويخير الجاني فيما بينها): (هذا هو الحق لأن النبي - صلى الله عليه وسلم – فرض كل نوع من أنواعها ولم يبين لنا أن هذا أصل وهذا بدل وإنما كثر ذكر الإبل لأنها غالب أموال العرب..)
والخلاصة:
أن الزيدية يرون أن أصناف الدية هي الإبل والبقر والشياة والذهب والفضة.
الترجيح:
أقول:
قد جاء في هذه المسألة -كما ترى - أحاديث ظاهرها التعارض ففي بعضها أن تقدير الدية بالقيمة كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وفي أخرى أن تقديرها كان من أبي بكر، عن عمرو بن شعيب قال:" قضى أبو بكر رضي الله عنه على أهل القرى حين كثر المال وغلت الإبل فأقام مائة من الإبل بستمائة دينار إلى ثمانمائة دينار
فقد أفاد هذا الحديث أن تقدير الذهب كان من أبي بكر، ولكن الحديث ضعيف، وفي أحاديث أخرى أن هذا التقدير كان من عمر، عن ابن عمرو قال: " كانت قيمة الدية على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمانمائة دينار أو ثمانية آلاف درهم ودية أهل الكتاب يومئذ النصف من دية المسلمين. قال: فكان ذلك كذلك حتى استخلف عمر - رحمه الله - فقام خطيباً.. ففي هذا الحديث تقدير هذه الأصول،
وفيه جواز أخذ القيمة عنها، وعن مكحول وعطاء قالوا: أدركنا الناس على أن دية المسلم الحر على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - مائة من الإبل فقوم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - تلك الدية على أهل القرى ألف دينار واثني عشر ألف درهم ودية الحرة المسلمة إذا كانت من أهل القرى خمسمائة دينار أو ستة آلاف درهم،
فإذا كان الذي أصابها من الأعراب فديتها خمسون من الإبل، ودية الأعرابية إذا أصابها الأعرابي خمسون من الإبل لا يكلف الأعرابي الذهب ولا الورق،
ففيه أن تقدير الذهب كان من عمر، ولكن الحديث ضعيف. ومع ضعف بعض الأحاديث إلا أنه لا تعارض بينها - على فرض صحتها - فإن الذي قدر هذه القِيَم هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولاً
ثم لما تغير سعر الإبل في عهد أبي بكر غير من قيمة الذهب والفضة الغنم والبقر
ثم لما كان عمر وتغير السعر كذلك غير من قيمتها ففهم ذلك أبو بكر وعمر من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع بقاء الإبل على عددها من دون تغير فأفاد ذلك أن الإبل هي الأصل.
كما أن هناك أحاديثاً أخرى تدل أن الذي قدّر الذهب والفضة والغنم.. هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كحديث عطاء بن أبي رباح " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في الدية على أهل الإبل مائة من الإبل وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الشاء ألفي شاة وعلى أهل الحلل مائتي حلة وعلى أهل القمح شيئاً لم يحفظه محمد"،
فقد دل على أن تقدير هذه الأصول كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن الحديث ضعيف،
ومثله حديث أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم.. وفيه " وأن الرجل يقتل بالمرأة وعلى أهل الذهب ألف دينار "، وفيه أن تقدير الذهب كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن الحديث ضعيف؛ ولكنه قد قوّاهما حديث عمرو بن شعيب وفيه " من قتل خطأ فديته مائة من الإبل.. قال: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقومها على أهل القرى أربعمائة دينار أو عدلها من الورق ويقومها على أهل الإبل إذا غلت رفع في قيمتها وإذا هانت نقص من قيمتها على نحو الزمان ما كان فبلغ قيمتها على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بين الأربعمائة دينار إلى ثمانمائة دينار أو عدلها من الورق. قال " وقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن من كان عقله في البقر على أهل البقر مائتي بقرة ومن كان عقله في الشاة ألفى شاة..، فقد أفاد أيضاً أن تقدير هذه الأصول كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيه جواز أخذ القيمة عنها. وعليه فإن الذهب والفضة والغنم والبقر من أصول الديات.
ولا يتعارض هذا مع قولنا: إن الإبل هي الأصل؛ فإن الجميع أصل؛ ولكن الإبل هي أصل هذه الأصول،
وعليه فإن حصل تفاوت في قِيَم هذه الأصول فإن المرجع في تقدير الدية هو تقديرها بالمقارنة مع قيمة الإبل، وأما إن تقاربت قِيمها فيصح تقدير الدية - والحال هذه - بأحد الأصناف الأربعة الأخرى؛ أكد ذلك أنه لا دية مغلظة إلا في الإبل، والله تعالى أعلى وأعلم.
والله الهادي إلى سواء السبيل
وهو حسبنا ونعم الوكيل
وسبحان الله وبحمده؛ سبحان الله العظيم
كتبه الفقير إلى عفو ربه العلي:
علي بن عبد الرحمن بن علي دبيس
الثلاثاء - 5 ربيع الأول 1427هـ، 4 إبريل 2006م
نقلا عن جامعة الايمان على الرابط :
http://www.jameataleman.org/ftawha/ahoal/ahoal1.htm
الدية وبوليصة التأمين
بسم الله الرحمن الرحيم
السعودية - جريدة الرياض - السبت 19 شوال 1432 الموافق 17 سبتمبر2011 العدد 15790
طالب بمواءمة القوانين الشرعية والتأمينية لتعديل نظام الدية..
مستشار اقتصادي ل "الرياض":رفع الدية إلى 400 ألف ريال ينبغي معه تطوير بوليصة التأمين لتتضمن منافعها الحقوق الأسرية
الرياض - فهد الثنيان:
قال متخصص اقتصادي إن رفع قيمة الدية إلى 300 و400 ألف للقتل الخطأ، والعمد اعتمادا على التغير الطارئ في أثمان الإبل مقارنة بثمنها قبل عقود، فيه كثير من المنطق لأسباب مرتبطة بالغلاء وارتفاع الأسعار؛ إلا أنه ينبغي التنبيه إلى أن التشريع الإسلامي في تحديد قيمة الدية بمئة من الإبل تجاوز في معانيه الثمن، أو القيمة المادية المباشرة، وصولا إلى المنفعة الدائمة، والاستثمار طويل الأمد.
وقال الاقتصادي فضل البوعينين في دراسة اقتصاديه تنشرها "الرياض" اليوم عن الدية الشرعية في ضل المتغيرات الاقتصادية التي خلصت إلى أهميه تطوير بوليصة التأمين لتتضمن منافعها الحقوق الأسرية لذوي القتيل، مضيفا أن التشريع كان يستند إلى ما تمثله الإبل في ذلك الوقت من أهمية قصوى للبشر، فمن يمتلك مائة من الإبل يمكن أن يصنف ضمن كبار الأغنياء، وبذلك تكون الدية ضامنة بعد الله لمستقبل الورثة، ليس من الناحية المالية فحسب بل من الناحية المعيشية أيضا.
وذكر إن هذا يستوجب التفصيل، فالإبل، (النوق والجمال)، قادرة على حماية نفسها في الصحاري، والتكيف مع متطلبات البيئة من دون تدخل الإنسان؛ إضافة إلى ذلك فمئة من الإبل تعني استثمارا طويل الأمد من خلال التكاثر، وتعني أيضا تحقيق الاكتفاء الذاتي لملاكها مما تدره من حليب، وهو الغذاء الرئيس في ذلك الوقت، ولحوم، وما توفره من وبر يستخدم في حياكة الألبسة، والأغطية، والفرش، والخيام، وصناعة الحبال أيضا، وكونها وسيلة من وسائل النقل وربما حقق ملاكها ثروة من استخدامها في نقل البضائع، أو حمل البشر، أو استخراج المياه من أعماق الأرض.
وأشار إلى أن فلسفة تحديد الدية بمئة من الإبل لم تكن تعتمد على القيمة المادية فقط، بل القيمة الاستثمارية التي تجمع بين توفير الغذاء والمسكن والملبس بشكل دائم، للورثة ومنهم القُصر، والأرملة، وبين التكاثر والنماء، وهو ما يؤمن حاضر، ومستقبل ورثة القتيل؛ وهذه هي الفلسفة المفقودة في حوارنا حول الدية وقيمتها في الوقت الحالي على أساس أن التركيز منصبا على قيمة مئة من الإبل وليس القيمة إضافة إلى المنفعة الدائمة والاستثمار؛ وعلى هذا الأساس فتحديد الدية ب 400 ألف ريال ما زالت لا تساوي شيئا في وقتنا الحاضر، فمن قُتل خطأ وخلف وراءه خمسة من الأبناء القصر وزوجة وأم فلن يمر الحولين على ديته إلا وقد تبخرت في مصاريف أساسية لا يمكن الاستغناء عنها.
وأكد البوعينين إن مائة من الإبل كانت كفيلة بسد متطلبات الأسرة الحياتية حتى نضوج الأبناء وبلوغهم، والإعتماد على أنفسهم، وكفيلة أيضا بتوفير الوعاء الاستثماري الأمثل الذي يحقق لهم ثروة عند البلوغ، وهذا مالا تحققه 400 ألف ريال في الوقت الحالي؛ ومن هنا فإن الدية المقطوعة لا تعني شيئا في وقتنا الحاضر وإن رفعت إلى 400 ألف ريال، بل يجب أن يجمع النظام بين الدية والرعاية لأسرة القتيل حتى نضجهم واعتمادهم على أنفسهم؛ قد يكون الأمر صعبا على المتسبب في القتل الخطأ، إلا أنه ليس كذلك بالنسبة لشركات التأمين، التي حلت محل قبيلة القاتل أوجماعته، في عهد الرسول.
فقد كان من المستحيل على عامة المسلمين، في عهد الرسول، صلى الله عليه وسلم، دفع مائة من الإبل لأهل الدم، إلا أن جمع الدية كان يعتمد على مساهمة القبيلة، أو الجماعة، الضامنة والمعينة لأفرادها في الملمات؛ وبسبب تغير الظروف، وتبدل الأحوال فقد حلت شركات التأمين مكان القبيلة، وأصبح للمؤمن حق على الشركة بتحمل ما يترتب عليه من مطالبات مالية نتيجة القتل الخطأ في حوادث السير على سبيل المثال. إلا أن هذا الحق ارتبط بقيمة الدية الشرعية وحرم أهل القتيل من الحصول على ما يؤمن لهم الحياة الكريمة، والمستقبل المضمون بإذن الله.
ولفت إلى انه من المفترض ألا تتوقف المناقشة عند زيادة قيمة الدية إلى 300 و400 ألف ريال، فهذا أمر مفروغ منه بل يجب أن يتعدى ذلك للوصول إلى إصدار قوانين خاصة تضمن لورثة القتيل العيش بكرامة حتى بلوغهم النضج، والإعتماد على أنفسهم من خلال توفير راتبا شهريا ثابتا وتأمينا للمسكن، ومتطلبات الحياة الحديثة.
وأبان إن البحث في هذا الموضوع يجب أن يكون على محورين رئيسين المحور الشرعي المحدد للالتزامات المالية على المتسبب في القتل العمد، والمحور التأميني المرتبط بشركات التأمين. فالمحور الشرعي يجب أن يأخذ بفلسفة تحديد الدية بمئة من الإبل وما تنضوي عليه من معاني تضمن توفير العيش الكريم لأسرة القتيل حتى استقلالهم بأنفسهم، إضافة إلى ما توفره من استثمار مضمون النماء، بعد الله سبحانه وتعالى؛ وألا يركز فقط على القيمة المالية المجردة التي أحسب أنها لم تكن المعيار الحقيقي للدية.
أما المحور التأميني بحسب البوعينين فيجب أن ينظر في حق ورثة القتيل في العيش الكريم، ورعاية القصر ممن يحتاجون إلى الرعاية الدائمة لا المنقطعة، حتى إنهاء تعليمهم الجامعي، أو الحصول على الوظيفة، أو بلوغ سن العشرين؛ إضافة إلى رعاية الأرملة، والفتيات غير المتزوجات. وقال انه يمكن الوصول إلى هذا الهدف من خلال تطوير بوليصة التأمين لتتضمن منافعها دفع الدية وهي 400 ألف ريال نيابة عن المتسبب في الوفاة بطريق الخطأ، ودفع راتب شهري لأسرة القتيل وبما يضمن تحقيق الرعاية التامة للأسرة حتى نضج الأبناء وإستقلاليتهم.
وأوضح إن بوالص التأمين يمكن تكييفها بحسب الحاجة، وفق تكلفة محددة تتغير بتغير المنافع التي تحققها يُلزم بها سائقو العربات، ويشجع الآخرون على اقتنائها حماية لهم وللمجتمع من الأخطار. إلا أن تحقيق ذلك يحتاج دائما إلى مواءمة القوانين الشرعية التي يعتمد عليها في تحديد الحقوق المترتبة على القتل غير العمد، وأنظمة التأمين، ونوعية البوالص التأمينية، وهو ما يحتاج إلى مراجعة عاجلة لإضافة الحقوق الأسرية، على الحق الشرعي المُحدد بالدية في الوقت الحالي.
السعودية - جريدة الرياض - السبت 19 شوال 1432 الموافق 17 سبتمبر2011 العدد 15790
طالب بمواءمة القوانين الشرعية والتأمينية لتعديل نظام الدية..
مستشار اقتصادي ل "الرياض":رفع الدية إلى 400 ألف ريال ينبغي معه تطوير بوليصة التأمين لتتضمن منافعها الحقوق الأسرية
الرياض - فهد الثنيان:
قال متخصص اقتصادي إن رفع قيمة الدية إلى 300 و400 ألف للقتل الخطأ، والعمد اعتمادا على التغير الطارئ في أثمان الإبل مقارنة بثمنها قبل عقود، فيه كثير من المنطق لأسباب مرتبطة بالغلاء وارتفاع الأسعار؛ إلا أنه ينبغي التنبيه إلى أن التشريع الإسلامي في تحديد قيمة الدية بمئة من الإبل تجاوز في معانيه الثمن، أو القيمة المادية المباشرة، وصولا إلى المنفعة الدائمة، والاستثمار طويل الأمد.
وقال الاقتصادي فضل البوعينين في دراسة اقتصاديه تنشرها "الرياض" اليوم عن الدية الشرعية في ضل المتغيرات الاقتصادية التي خلصت إلى أهميه تطوير بوليصة التأمين لتتضمن منافعها الحقوق الأسرية لذوي القتيل، مضيفا أن التشريع كان يستند إلى ما تمثله الإبل في ذلك الوقت من أهمية قصوى للبشر، فمن يمتلك مائة من الإبل يمكن أن يصنف ضمن كبار الأغنياء، وبذلك تكون الدية ضامنة بعد الله لمستقبل الورثة، ليس من الناحية المالية فحسب بل من الناحية المعيشية أيضا.
وذكر إن هذا يستوجب التفصيل، فالإبل، (النوق والجمال)، قادرة على حماية نفسها في الصحاري، والتكيف مع متطلبات البيئة من دون تدخل الإنسان؛ إضافة إلى ذلك فمئة من الإبل تعني استثمارا طويل الأمد من خلال التكاثر، وتعني أيضا تحقيق الاكتفاء الذاتي لملاكها مما تدره من حليب، وهو الغذاء الرئيس في ذلك الوقت، ولحوم، وما توفره من وبر يستخدم في حياكة الألبسة، والأغطية، والفرش، والخيام، وصناعة الحبال أيضا، وكونها وسيلة من وسائل النقل وربما حقق ملاكها ثروة من استخدامها في نقل البضائع، أو حمل البشر، أو استخراج المياه من أعماق الأرض.
وأشار إلى أن فلسفة تحديد الدية بمئة من الإبل لم تكن تعتمد على القيمة المادية فقط، بل القيمة الاستثمارية التي تجمع بين توفير الغذاء والمسكن والملبس بشكل دائم، للورثة ومنهم القُصر، والأرملة، وبين التكاثر والنماء، وهو ما يؤمن حاضر، ومستقبل ورثة القتيل؛ وهذه هي الفلسفة المفقودة في حوارنا حول الدية وقيمتها في الوقت الحالي على أساس أن التركيز منصبا على قيمة مئة من الإبل وليس القيمة إضافة إلى المنفعة الدائمة والاستثمار؛ وعلى هذا الأساس فتحديد الدية ب 400 ألف ريال ما زالت لا تساوي شيئا في وقتنا الحاضر، فمن قُتل خطأ وخلف وراءه خمسة من الأبناء القصر وزوجة وأم فلن يمر الحولين على ديته إلا وقد تبخرت في مصاريف أساسية لا يمكن الاستغناء عنها.
وأكد البوعينين إن مائة من الإبل كانت كفيلة بسد متطلبات الأسرة الحياتية حتى نضوج الأبناء وبلوغهم، والإعتماد على أنفسهم، وكفيلة أيضا بتوفير الوعاء الاستثماري الأمثل الذي يحقق لهم ثروة عند البلوغ، وهذا مالا تحققه 400 ألف ريال في الوقت الحالي؛ ومن هنا فإن الدية المقطوعة لا تعني شيئا في وقتنا الحاضر وإن رفعت إلى 400 ألف ريال، بل يجب أن يجمع النظام بين الدية والرعاية لأسرة القتيل حتى نضجهم واعتمادهم على أنفسهم؛ قد يكون الأمر صعبا على المتسبب في القتل الخطأ، إلا أنه ليس كذلك بالنسبة لشركات التأمين، التي حلت محل قبيلة القاتل أوجماعته، في عهد الرسول.
فقد كان من المستحيل على عامة المسلمين، في عهد الرسول، صلى الله عليه وسلم، دفع مائة من الإبل لأهل الدم، إلا أن جمع الدية كان يعتمد على مساهمة القبيلة، أو الجماعة، الضامنة والمعينة لأفرادها في الملمات؛ وبسبب تغير الظروف، وتبدل الأحوال فقد حلت شركات التأمين مكان القبيلة، وأصبح للمؤمن حق على الشركة بتحمل ما يترتب عليه من مطالبات مالية نتيجة القتل الخطأ في حوادث السير على سبيل المثال. إلا أن هذا الحق ارتبط بقيمة الدية الشرعية وحرم أهل القتيل من الحصول على ما يؤمن لهم الحياة الكريمة، والمستقبل المضمون بإذن الله.
ولفت إلى انه من المفترض ألا تتوقف المناقشة عند زيادة قيمة الدية إلى 300 و400 ألف ريال، فهذا أمر مفروغ منه بل يجب أن يتعدى ذلك للوصول إلى إصدار قوانين خاصة تضمن لورثة القتيل العيش بكرامة حتى بلوغهم النضج، والإعتماد على أنفسهم من خلال توفير راتبا شهريا ثابتا وتأمينا للمسكن، ومتطلبات الحياة الحديثة.
وأبان إن البحث في هذا الموضوع يجب أن يكون على محورين رئيسين المحور الشرعي المحدد للالتزامات المالية على المتسبب في القتل العمد، والمحور التأميني المرتبط بشركات التأمين. فالمحور الشرعي يجب أن يأخذ بفلسفة تحديد الدية بمئة من الإبل وما تنضوي عليه من معاني تضمن توفير العيش الكريم لأسرة القتيل حتى استقلالهم بأنفسهم، إضافة إلى ما توفره من استثمار مضمون النماء، بعد الله سبحانه وتعالى؛ وألا يركز فقط على القيمة المالية المجردة التي أحسب أنها لم تكن المعيار الحقيقي للدية.
أما المحور التأميني بحسب البوعينين فيجب أن ينظر في حق ورثة القتيل في العيش الكريم، ورعاية القصر ممن يحتاجون إلى الرعاية الدائمة لا المنقطعة، حتى إنهاء تعليمهم الجامعي، أو الحصول على الوظيفة، أو بلوغ سن العشرين؛ إضافة إلى رعاية الأرملة، والفتيات غير المتزوجات. وقال انه يمكن الوصول إلى هذا الهدف من خلال تطوير بوليصة التأمين لتتضمن منافعها دفع الدية وهي 400 ألف ريال نيابة عن المتسبب في الوفاة بطريق الخطأ، ودفع راتب شهري لأسرة القتيل وبما يضمن تحقيق الرعاية التامة للأسرة حتى نضج الأبناء وإستقلاليتهم.
وأوضح إن بوالص التأمين يمكن تكييفها بحسب الحاجة، وفق تكلفة محددة تتغير بتغير المنافع التي تحققها يُلزم بها سائقو العربات، ويشجع الآخرون على اقتنائها حماية لهم وللمجتمع من الأخطار. إلا أن تحقيق ذلك يحتاج دائما إلى مواءمة القوانين الشرعية التي يعتمد عليها في تحديد الحقوق المترتبة على القتل غير العمد، وأنظمة التأمين، ونوعية البوالص التأمينية، وهو ما يحتاج إلى مراجعة عاجلة لإضافة الحقوق الأسرية، على الحق الشرعي المُحدد بالدية في الوقت الحالي.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين يوليو 13, 2015 1:22 pm من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ
» مقدمة في الدراسات السودانية
الأربعاء أبريل 15, 2015 3:21 pm من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ
» الممالك السودانية القديمة
الأحد فبراير 15, 2015 2:29 pm من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ
» التعريف بالقرآن الكريم
الأحد ديسمبر 14, 2014 12:57 pm من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ
» أقصرتُ مذ عاد الزمانُ فأقْصَرا
الثلاثاء نوفمبر 25, 2014 1:33 pm من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ
» قصة خروج النبي صلى الله عليه وسلم الى الطائف
الأربعاء مايو 28, 2014 1:34 pm من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ
» قصة تحويل القبلة الى الكعبة
الأربعاء مايو 14, 2014 4:57 pm من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ
» حديث الاسراء والمعراج
الخميس مايو 08, 2014 4:56 pm من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ
» استقبال شهر الله رجب الأصب
الإثنين مايو 05, 2014 4:14 pm من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ