بحـث
المواضيع الأخيرة
مع تفسير إشارات الاعجاز للامام النورسي
صفحة 1 من اصل 1
مع تفسير إشارات الاعجاز للامام النورسي
بسم الله الرحمن الرحيم
مع تفسير إشارات الاعجاز للامام النورسي
** ظروف تأليف تفسير إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز للامام النورسي:
لقد تم تأليف تفسير اشارات الاعجاز في السنة الاولى من الحرب العالمية الاولى على جبهة القتال بدون مصادر او مراجع من الكتب، وقد اقتضت ظروف الحرب الشاقة وما يواكبها من حرمان أن يُكْتب هذا التفسير في غاية الايجاز والاختصار ولاسباب أخرى عديدة ذكرها الامام النورسي في مقدمة التفسير.
وانتهج في تفسيره هذا مسلك رسائل النور، فأولى اهتمامه بالجانب البلاغي للآيات وبيان الفاظها واشاراتها، لذا لم تثنه شراسة المعارك ضد الروس وهول الحرب في الجبهة الامامية عن املاء ادق النكات القرآنية على تلاميذه .
من حلقة علمية بجامعة الخرطوم، بإشراف الدكتور جعفر العبيد
إعداد: حسب الرسول الطيب الشيخ
00249964477736
مع تفسير إشارات الاعجاز للامام النورسي
** ظروف تأليف تفسير إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز للامام النورسي:
لقد تم تأليف تفسير اشارات الاعجاز في السنة الاولى من الحرب العالمية الاولى على جبهة القتال بدون مصادر او مراجع من الكتب، وقد اقتضت ظروف الحرب الشاقة وما يواكبها من حرمان أن يُكْتب هذا التفسير في غاية الايجاز والاختصار ولاسباب أخرى عديدة ذكرها الامام النورسي في مقدمة التفسير.
وانتهج في تفسيره هذا مسلك رسائل النور، فأولى اهتمامه بالجانب البلاغي للآيات وبيان الفاظها واشاراتها، لذا لم تثنه شراسة المعارك ضد الروس وهول الحرب في الجبهة الامامية عن املاء ادق النكات القرآنية على تلاميذه .
من حلقة علمية بجامعة الخرطوم، بإشراف الدكتور جعفر العبيد
إعداد: حسب الرسول الطيب الشيخ
00249964477736
عدل سابقا من قبل Admin في الأحد يناير 06, 2013 3:46 pm عدل 1 مرات
رد: مع تفسير إشارات الاعجاز للامام النورسي
رؤية النورسي لعلم التفسير :
يرى الامام النورسي أن تفسير القرآن لا بد له أن يتم عن طريق جهود جماعية، بأن يسند إلى لجنة من العلماء وأصحاب الاختصاص والخبراء فيما يتصل بعلوم القرآن، وأن يرجعوا بعد ذلك إلى المختصين في المجال المعين إذا ما عرض لهم منه شيء أثناء التفسير؛ كخبراء القانون في مجال التشريع؛ أو علماء الجيلوجيا فيما يتصل بمجالهم؛ أو علماء الطب وغيرهم، حتى يتسنى لهم تبيين حقائق القرآن المعجز بدقة علمية، مما يفيد في زيادة الإيمان واليقين، وتجلية حقائق القرآن
وبذلك يشير الإمام النورسي في مقدمته للتفسير إذ يقول: (لا يتحصّل للقرآن تفسير لائق من فهم الفرد الذي قلما يخلُص من التعصب لمسلكه ومشربه؛ اذ فهمُه يخصُّه ليس له دعوة الغير اليه إلاّ ان يُعدّيه قبول الجمهور، ولا يكون حجةً على الغير إلاّ ان يصدّقه نوعُ اجماع، كذلك لابد لكشف معاني القرآن وجمع المحاسن المتفرقة في التفاسير من انتهاض هيئة عالية من العلماء المتخصصين، المختلفين في وجوه الاختصاص، كما انه لابد ان يكون مفسر القرآن ذا دهاء عال واجتهاد نافذ وولاية كاملة، وماهو الآن إلاّ الشخص المعنوي المتولد من امتزاج الارواح وتساندها وتلاحق الافكار وتعاونها وتضافر القلوب واخلاصها وصميميتها، من بين تلك الهيئة، فيسر للكل حكمٌ ليس لكلٍ).
ثم يوضح الامام النورسي لجوءه للانفراد للنهوض بمهمة التفسير، للظروف التي أحاطت به، ولما ألهمه من قرب وقوع فتن وكوارث قد يفقد فيها حياته، فيضيع بذلك علم أخذ يعتمل في صدره من إشارات الإعجاز فخشي أن يكتمه.
يقول الإمام النورسي: (ثم اني بينما كنت منتظراً ومتوجهاً لهذا المقصد بتظاهر هيئة كذلك - وقد كان هذا غاية خيالي منذ زمان بعيد - اذ سنح لقلبي من قبيل الحس قبل الوقوع حدوث زلزلة عظيمة ، فشرعتُ - مع عجزي وقصوري والاغلاق في كلامي - في تقييد ما سنح لي من اشارات لاعجاز القرآن في نظمه وبيان بعض حقائقه، ولم يتيسر لي مراجعة التفاسير، فان وافقها فبِها ونِعْمَتْ والاّ فالعُهدة عليّ).
ولكن الامام النورسي أمد الله في عمره، وانجلت تلك الأحداث، وذهبت معها ظروفها العصيبة؛ التي تم التأليف تحت وطأتها، وكان بإمكان الإمام تنقيح هذا التفسير وتصحيحه، أو عرضه على لجان محكمة لتعديله، إلا أنه عدل عن كل ذلك، لأنه وجد أن ما أنجزه من عمل تم له في ظروف إيمانية إستثنائية، حيث كان يتوقع الموت والقتل في كل لحظة، مما قربه إلى مقامات اللجوء والإضطرار، فأتت تلك الكلمات ممزوجة بما كان عليه من نور الإيمان واليقين والإلهام، فرفض بذلك تنقيحها، وأصر على طباعتها على ما كانت عليه
يقول الإمام النورسي: (فوقعتْ هذه الطامة الكبرى-الحرب العالمية الأولى1914م- ففي اثناء اداء فريضة الجهاد كلما انتهزتُ فرصة في خط الحرب قيدتُ مالاح لي في الاودية والجبال بعبارات متفاوتة باختلاف الحالات، فمع احتياجها الى التصحيح والاصلاح لايرضى قلبي بتغييرها وتبديلها؛ اذ ظهرتْ في حالة من خلوص النية لا توجد الآن، فاعرضها لأنظار اهل الكمال لا لأنه تفسير للتنزيل، بل ليصير - لو ظفر بالقبول - نوعَ مأخذٍ لبعض وجوه التفسير)
إقتصر الإمام النورسي على تفسير سورة الفاتحة وثلاث وثلاثين آية من أول سورة البقرة، وعرضه كنموذج يمكن أن يقتفى أثره على الشاكلة التي سار عليها فيه
يرى الامام النورسي أن تفسير القرآن لا بد له أن يتم عن طريق جهود جماعية، بأن يسند إلى لجنة من العلماء وأصحاب الاختصاص والخبراء فيما يتصل بعلوم القرآن، وأن يرجعوا بعد ذلك إلى المختصين في المجال المعين إذا ما عرض لهم منه شيء أثناء التفسير؛ كخبراء القانون في مجال التشريع؛ أو علماء الجيلوجيا فيما يتصل بمجالهم؛ أو علماء الطب وغيرهم، حتى يتسنى لهم تبيين حقائق القرآن المعجز بدقة علمية، مما يفيد في زيادة الإيمان واليقين، وتجلية حقائق القرآن
وبذلك يشير الإمام النورسي في مقدمته للتفسير إذ يقول: (لا يتحصّل للقرآن تفسير لائق من فهم الفرد الذي قلما يخلُص من التعصب لمسلكه ومشربه؛ اذ فهمُه يخصُّه ليس له دعوة الغير اليه إلاّ ان يُعدّيه قبول الجمهور، ولا يكون حجةً على الغير إلاّ ان يصدّقه نوعُ اجماع، كذلك لابد لكشف معاني القرآن وجمع المحاسن المتفرقة في التفاسير من انتهاض هيئة عالية من العلماء المتخصصين، المختلفين في وجوه الاختصاص، كما انه لابد ان يكون مفسر القرآن ذا دهاء عال واجتهاد نافذ وولاية كاملة، وماهو الآن إلاّ الشخص المعنوي المتولد من امتزاج الارواح وتساندها وتلاحق الافكار وتعاونها وتضافر القلوب واخلاصها وصميميتها، من بين تلك الهيئة، فيسر للكل حكمٌ ليس لكلٍ).
ثم يوضح الامام النورسي لجوءه للانفراد للنهوض بمهمة التفسير، للظروف التي أحاطت به، ولما ألهمه من قرب وقوع فتن وكوارث قد يفقد فيها حياته، فيضيع بذلك علم أخذ يعتمل في صدره من إشارات الإعجاز فخشي أن يكتمه.
يقول الإمام النورسي: (ثم اني بينما كنت منتظراً ومتوجهاً لهذا المقصد بتظاهر هيئة كذلك - وقد كان هذا غاية خيالي منذ زمان بعيد - اذ سنح لقلبي من قبيل الحس قبل الوقوع حدوث زلزلة عظيمة ، فشرعتُ - مع عجزي وقصوري والاغلاق في كلامي - في تقييد ما سنح لي من اشارات لاعجاز القرآن في نظمه وبيان بعض حقائقه، ولم يتيسر لي مراجعة التفاسير، فان وافقها فبِها ونِعْمَتْ والاّ فالعُهدة عليّ).
ولكن الامام النورسي أمد الله في عمره، وانجلت تلك الأحداث، وذهبت معها ظروفها العصيبة؛ التي تم التأليف تحت وطأتها، وكان بإمكان الإمام تنقيح هذا التفسير وتصحيحه، أو عرضه على لجان محكمة لتعديله، إلا أنه عدل عن كل ذلك، لأنه وجد أن ما أنجزه من عمل تم له في ظروف إيمانية إستثنائية، حيث كان يتوقع الموت والقتل في كل لحظة، مما قربه إلى مقامات اللجوء والإضطرار، فأتت تلك الكلمات ممزوجة بما كان عليه من نور الإيمان واليقين والإلهام، فرفض بذلك تنقيحها، وأصر على طباعتها على ما كانت عليه
يقول الإمام النورسي: (فوقعتْ هذه الطامة الكبرى-الحرب العالمية الأولى1914م- ففي اثناء اداء فريضة الجهاد كلما انتهزتُ فرصة في خط الحرب قيدتُ مالاح لي في الاودية والجبال بعبارات متفاوتة باختلاف الحالات، فمع احتياجها الى التصحيح والاصلاح لايرضى قلبي بتغييرها وتبديلها؛ اذ ظهرتْ في حالة من خلوص النية لا توجد الآن، فاعرضها لأنظار اهل الكمال لا لأنه تفسير للتنزيل، بل ليصير - لو ظفر بالقبول - نوعَ مأخذٍ لبعض وجوه التفسير)
إقتصر الإمام النورسي على تفسير سورة الفاتحة وثلاث وثلاثين آية من أول سورة البقرة، وعرضه كنموذج يمكن أن يقتفى أثره على الشاكلة التي سار عليها فيه
رد: مع تفسير إشارات الاعجاز للامام النورسي
التعريفات النورسية للقرآن :
يعرف الإمام النورسي القرآن بأنه الترجمةُ الازلية لهذه الكائنات، والترجمانُ الابدي لألسنتها التاليات للآيات التكوينية، ومفسّرُ كتاب العالَم، وكذا هو كشافٌ لمخفيات كنوز الاسماء المستترة في صحائف السموات والارض، وكذا هو مفتاحٌ لحقائق الشؤون المضْمَرة في سطور الحادثات، وكذا هو لسان الغيب في عالم الشهادة، وكذا هو خزينةٌ للمخاطبات الازلية السبحانية والالتفاتات الابدية الرحمانية، وكذا هو أساسٌ وهندسةٌ وشمسٌ لهذا العالم المعنوي الاسلامي، وكذا هو خريطةٌ للعالم الأُخروي، وكذا هو القولُ الشارح والتفسيرُ الواضح والبرهان القاطع والترجمان الساطع لذات الله وصفاته واسمائه وشؤونه، وكذا هو مربٍّ للعالم الانساني.
يعرف الإمام النورسي القرآن بأنه الترجمةُ الازلية لهذه الكائنات، والترجمانُ الابدي لألسنتها التاليات للآيات التكوينية، ومفسّرُ كتاب العالَم، وكذا هو كشافٌ لمخفيات كنوز الاسماء المستترة في صحائف السموات والارض، وكذا هو مفتاحٌ لحقائق الشؤون المضْمَرة في سطور الحادثات، وكذا هو لسان الغيب في عالم الشهادة، وكذا هو خزينةٌ للمخاطبات الازلية السبحانية والالتفاتات الابدية الرحمانية، وكذا هو أساسٌ وهندسةٌ وشمسٌ لهذا العالم المعنوي الاسلامي، وكذا هو خريطةٌ للعالم الأُخروي، وكذا هو القولُ الشارح والتفسيرُ الواضح والبرهان القاطع والترجمان الساطع لذات الله وصفاته واسمائه وشؤونه، وكذا هو مربٍّ للعالم الانساني.
رد: مع تفسير إشارات الاعجاز للامام النورسي
مقصد الامام النورسي من تفسيره إشارات الاعجاز:
يقصد الامام النورسي من تفسيره هذا تبيين وجه الإعجاز البياني للقرآن الكريم، إذ يقول: ان مقصدنا من هذه الاشارات تفسير جملة من رموز نظْمِ القرآن؛ لأن الاعجاز يتجلى من نظمه، وما الاعجاز الزاهر الاّ نقشُ النظم.
وهو بقوله هذا انما يتبع الامام عبد القاهر الجرجاني صاحب نظرية النظم؛ التي تقول إن إعجاز القرآن يتجلى في نظمه، وهنا يحاول الإمام النورسي إعطاء نماذج تطبيقية أو أمثلة لهذه النظرية.
يقول الامام النورسي: تأمَّل في آية (وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين) سورة الأنبياء آية46، المسوقة للتهويل المستفاد من التقليل بسر انعكاس الضد من الضد.
أفلا ترى الاحتمال في (ولئن) كيف يفيد التقليل، والمسّ بدل الاصابة في (مسّت) كيف يشير الى القلة والتروّح فقط،
والتنكير والتحقير في صيغةِ (نفحةٌ) كيف تلوِّح بالقلة، والبعضية في (مِن) كيف تومئ إليها، وتبديل النكال بكلمة (عذاب) كيف يرمز اليها، والشفقة المستفادة من كلمة (ربّ) كيف تشير اليها، وقس على ذلك في بقية آي القرآن، فكل حرف أو كلمة أو جملة يمد المقصد من جهته الخاصة.
يقصد الامام النورسي من تفسيره هذا تبيين وجه الإعجاز البياني للقرآن الكريم، إذ يقول: ان مقصدنا من هذه الاشارات تفسير جملة من رموز نظْمِ القرآن؛ لأن الاعجاز يتجلى من نظمه، وما الاعجاز الزاهر الاّ نقشُ النظم.
وهو بقوله هذا انما يتبع الامام عبد القاهر الجرجاني صاحب نظرية النظم؛ التي تقول إن إعجاز القرآن يتجلى في نظمه، وهنا يحاول الإمام النورسي إعطاء نماذج تطبيقية أو أمثلة لهذه النظرية.
يقول الامام النورسي: تأمَّل في آية (وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين) سورة الأنبياء آية46، المسوقة للتهويل المستفاد من التقليل بسر انعكاس الضد من الضد.
أفلا ترى الاحتمال في (ولئن) كيف يفيد التقليل، والمسّ بدل الاصابة في (مسّت) كيف يشير الى القلة والتروّح فقط،
والتنكير والتحقير في صيغةِ (نفحةٌ) كيف تلوِّح بالقلة، والبعضية في (مِن) كيف تومئ إليها، وتبديل النكال بكلمة (عذاب) كيف يرمز اليها، والشفقة المستفادة من كلمة (ربّ) كيف تشير اليها، وقس على ذلك في بقية آي القرآن، فكل حرف أو كلمة أو جملة يمد المقصد من جهته الخاصة.
رد: مع تفسير إشارات الاعجاز للامام النورسي
تحديد النورسي أربعة مقاصد كلية للقرآن :
يرى الإمام النورسي ان المقاصد الاساسية من القرآن وعناصره الاصلية اربعة هي:
1- التوحيد
2-النبوة
3-الحشر
4-العدالة.
يقول الامام النورسي: (فكما تتراءى هذه المقاصد الاربعة في كله، كذلك قد تتجلى في كل سورةٍ، بل قد يُلْمَح بها في كل كلام)
يرى الإمام النورسي ان المقاصد الاساسية من القرآن وعناصره الاصلية اربعة هي:
1- التوحيد
2-النبوة
3-الحشر
4-العدالة.
يقول الامام النورسي: (فكما تتراءى هذه المقاصد الاربعة في كله، كذلك قد تتجلى في كل سورةٍ، بل قد يُلْمَح بها في كل كلام)
رد: مع تفسير إشارات الاعجاز للامام النورسي
نموذج للمقاصد الأربع : تفسير سورة الفاتحة
يقول الامام النورسي في التفسير: ان قلت: ارني هذه المقاصد الاربعة في بسم الله وفي الحمد لله.
قلت: لما اُنزل (بسم الله) لتعليم العباد كان قُلْ مقدَّراً فيه.
فعلى هذا يكون في قل اشارة الى الرسالة،
وفي (بسم الله) رمز الى الالوهية،
وفي تقديم الباء تلويحٌ الى التوحيد،
وفي (الرحمن) تلميحٌ الى نظام العدالة والاحسان،
وفي (الرحيم) ايماء الى الحشر.
وكذلك في (الحمد لله) اشارةٌ الى الالوهية، وفي لام الاختصاص رمزٌ الى التوحيد، وفي (رب العالمين) ايماء الى العدالة والنبوة ايضا؛ لان بالرسل تربيةُ نوع البشر.. وفي (مالك يوم الدين) تصريح بالحشر.
فهذا مثال فانسج على منواله
يقول الامام النورسي في التفسير: ان قلت: ارني هذه المقاصد الاربعة في بسم الله وفي الحمد لله.
قلت: لما اُنزل (بسم الله) لتعليم العباد كان قُلْ مقدَّراً فيه.
فعلى هذا يكون في قل اشارة الى الرسالة،
وفي (بسم الله) رمز الى الالوهية،
وفي تقديم الباء تلويحٌ الى التوحيد،
وفي (الرحمن) تلميحٌ الى نظام العدالة والاحسان،
وفي (الرحيم) ايماء الى الحشر.
وكذلك في (الحمد لله) اشارةٌ الى الالوهية، وفي لام الاختصاص رمزٌ الى التوحيد، وفي (رب العالمين) ايماء الى العدالة والنبوة ايضا؛ لان بالرسل تربيةُ نوع البشر.. وفي (مالك يوم الدين) تصريح بالحشر.
فهذا مثال فانسج على منواله
رد: مع تفسير إشارات الاعجاز للامام النورسي
(الحَمْدُ)
وجه النظم مع ما قبله: ان الرحمن والرحيم لما دلّتا على النِعَم استوجبتا تعقيب الحمد. ثم ان (الحمد لله) قد كُرِّرَت في أربع سُوَرٍ من القرآن ، كل واحدة منها ناظرة الى نعمة من النعم الاساسية التي هي: النشأة الاولى، والبقاء فيها؛ والنشأة الاُخرى، والبقاء بعدها
(لله) أي الحمد مختص ومستحق للذات الاقدس، وفي اللام اشارة الى الاخلاص والتوحيد
(رَبِّ) أي الذي يربّي العالم بجميع اجزائه، التي كلٌ منها كالعالم عالَم؛ وذرَّاتهُ كنجومه متفرِّقةٌ متحرِّكة بالانتظام
واعلم ان الله عز وجل عيّن لكل شئ نقطةَ كمالٍ وأودع فيه ميلاً اليها، كأنه أمَرَه أمراً معنويا ان يتحرك اليها، وهو يحتاج الى ما يُمدُّه ودفع ما يَعوقهُ، وذلك بتربيته عز وجل.
لو تأملت في الكائنات لرأيتها كبني آدم طوائف وقبائل يشتغل كلٌ بوظيفته التي عيَّنَت له ساعياً مُجدّاً مطيعا لقانون خالقه. فما اعجب الانسان كيف يشذّ!؟
(الْعَالَمِينَ) جمع عالم، والعالَم اسمُ مايُعلَمُ به الصانعُ ويشهدُ عليه ويشير اليه، وآثرَ جمعَ العقلاء مثل (رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) اشارةً الى ان نظرَ البلاغة يصوّر كل جزء من أجزاء العالم بصورةِ حيّ عاقلٍ متكلِّم بلسان الحال، فالتربية والإعلامُ يُومِيان - كالسجود - الى انها كالعقلاء
وجه النظم مع ما قبله: ان الرحمن والرحيم لما دلّتا على النِعَم استوجبتا تعقيب الحمد. ثم ان (الحمد لله) قد كُرِّرَت في أربع سُوَرٍ من القرآن ، كل واحدة منها ناظرة الى نعمة من النعم الاساسية التي هي: النشأة الاولى، والبقاء فيها؛ والنشأة الاُخرى، والبقاء بعدها
(لله) أي الحمد مختص ومستحق للذات الاقدس، وفي اللام اشارة الى الاخلاص والتوحيد
(رَبِّ) أي الذي يربّي العالم بجميع اجزائه، التي كلٌ منها كالعالم عالَم؛ وذرَّاتهُ كنجومه متفرِّقةٌ متحرِّكة بالانتظام
واعلم ان الله عز وجل عيّن لكل شئ نقطةَ كمالٍ وأودع فيه ميلاً اليها، كأنه أمَرَه أمراً معنويا ان يتحرك اليها، وهو يحتاج الى ما يُمدُّه ودفع ما يَعوقهُ، وذلك بتربيته عز وجل.
لو تأملت في الكائنات لرأيتها كبني آدم طوائف وقبائل يشتغل كلٌ بوظيفته التي عيَّنَت له ساعياً مُجدّاً مطيعا لقانون خالقه. فما اعجب الانسان كيف يشذّ!؟
(الْعَالَمِينَ) جمع عالم، والعالَم اسمُ مايُعلَمُ به الصانعُ ويشهدُ عليه ويشير اليه، وآثرَ جمعَ العقلاء مثل (رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) اشارةً الى ان نظرَ البلاغة يصوّر كل جزء من أجزاء العالم بصورةِ حيّ عاقلٍ متكلِّم بلسان الحال، فالتربية والإعلامُ يُومِيان - كالسجود - الى انها كالعقلاء
رد: مع تفسير إشارات الاعجاز للامام النورسي
(الْرَّحْمن الْرَّحِيمِ)
وجه النظم: انهما اشارتان الى أساسَيْ التربية؛ اذ الرحمن يلائم جلب المنافع؛ والرحيم يناسب دفع المضار وهما الاساسان للتربية.
(مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) اي يوم الحشر والجزاء.
وجه النظم: انه كالنتيجة لسابقه؛ اذ الرحمة من أدلة القيامة والسعادة الابدية؛ لان الرحمة انما تكون رحمةً، والنعمة نعمةً إذا جاءت القيامة وحصلت السعادة الابدية. وإلاّ فالعقلُ الذي هو من اعظم النِعَم يكون مصيبةً على الانسان، والمحبة والشفقة اللتان هما من ألطف انواع الرحمة تتحولان ألماً شديداً بملاحظة الفراق الابدي
وفي التعبير بلفظ اليوم إشارة الى امارة حدسية من امارات الحشر بناء على التناسب البيّن بين اليوم والسنة، وعمر البشر ودوران الدنيا، فمن يرى القيامة النوعية المكررة في أمثال اليوم والسنة يتحدس بتولد ربيع السعادة الأبدية في صبح يوم الحشر للإنسان.
والمراد من (الدّين) إمّا الجزاء، أي يوم جزاء الأعمال الخيرية والشرية، أو الحقائق الدينية، أي يوم طلوعها وظهورها وغلبة دائرة الاعتقاد على دائرة الاسباب؛
لأن الله عز وجل أودع بمشيئته في الكائنات نظاماً يربط الاسباب بالمسببات وألجأ الانسان بطبيعته ووهمه وخياله الى ان يراعي ذلك النظام ويرتبط به، وكذا وجّه كل شئ اليه وتَنَزَّه عن تأثير الاسباب في مُلكه، وكلّف الانسان اعتقاداً وايماناً بان يراعي تلك الدائرة بوجدانه وروحه ويرتبط بها. ففي الدنيا دائرة الاسباب غالبة على دائرة الاعتقاد؛ وفي الأُخرى تتجلى حقائق العقائد غالبة على دائرة الاسباب
واعلم ان لكلٍ من هاتين الدائرتين مقاماً معيناً وأحكاماً مخصوصة، فلابد ان يُعطى كلٌّ حقّه في اتزان.
فمن زاد في مقام دائرة الاسباب بطبيعته ووهمه وخياله ومقاييس الاسباب خصما على دائرة الاعتقاد اضطر الى الاعتزال، ومن زاد في مقام الاعتقاد ومقاييسه بروحه ووجدانه خصما على دائرة الاسباب أنتج له توكلا تواكليا وتمرداً في مقابلة المشيئة الإلهية النظامة
وجه النظم: انهما اشارتان الى أساسَيْ التربية؛ اذ الرحمن يلائم جلب المنافع؛ والرحيم يناسب دفع المضار وهما الاساسان للتربية.
(مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) اي يوم الحشر والجزاء.
وجه النظم: انه كالنتيجة لسابقه؛ اذ الرحمة من أدلة القيامة والسعادة الابدية؛ لان الرحمة انما تكون رحمةً، والنعمة نعمةً إذا جاءت القيامة وحصلت السعادة الابدية. وإلاّ فالعقلُ الذي هو من اعظم النِعَم يكون مصيبةً على الانسان، والمحبة والشفقة اللتان هما من ألطف انواع الرحمة تتحولان ألماً شديداً بملاحظة الفراق الابدي
وفي التعبير بلفظ اليوم إشارة الى امارة حدسية من امارات الحشر بناء على التناسب البيّن بين اليوم والسنة، وعمر البشر ودوران الدنيا، فمن يرى القيامة النوعية المكررة في أمثال اليوم والسنة يتحدس بتولد ربيع السعادة الأبدية في صبح يوم الحشر للإنسان.
والمراد من (الدّين) إمّا الجزاء، أي يوم جزاء الأعمال الخيرية والشرية، أو الحقائق الدينية، أي يوم طلوعها وظهورها وغلبة دائرة الاعتقاد على دائرة الاسباب؛
لأن الله عز وجل أودع بمشيئته في الكائنات نظاماً يربط الاسباب بالمسببات وألجأ الانسان بطبيعته ووهمه وخياله الى ان يراعي ذلك النظام ويرتبط به، وكذا وجّه كل شئ اليه وتَنَزَّه عن تأثير الاسباب في مُلكه، وكلّف الانسان اعتقاداً وايماناً بان يراعي تلك الدائرة بوجدانه وروحه ويرتبط بها. ففي الدنيا دائرة الاسباب غالبة على دائرة الاعتقاد؛ وفي الأُخرى تتجلى حقائق العقائد غالبة على دائرة الاسباب
واعلم ان لكلٍ من هاتين الدائرتين مقاماً معيناً وأحكاماً مخصوصة، فلابد ان يُعطى كلٌّ حقّه في اتزان.
فمن زاد في مقام دائرة الاسباب بطبيعته ووهمه وخياله ومقاييس الاسباب خصما على دائرة الاعتقاد اضطر الى الاعتزال، ومن زاد في مقام الاعتقاد ومقاييسه بروحه ووجدانه خصما على دائرة الاسباب أنتج له توكلا تواكليا وتمرداً في مقابلة المشيئة الإلهية النظامة
رد: مع تفسير إشارات الاعجاز للامام النورسي
(اِيَّاكَ نَعْبُدُ)
اياك أي: يامن هو موصوف بهذه الصفات سبحانه.
(نعبد) أي نعبد نحن معاشر أعضاء وذرّات هذا العالم الصغير، بالشكر العرفي الذي هو إطاعة كلٍ لما أُمر به، ونحن معاشر الموحّدين نعبدك باطاعة شريعتك، ونحن معاشر الكائنات نعبد شريعتك الكبرى الفطرية ونسجد بالحيرة والمحبة تحت عرش عظمتك وقدرتك.
وجه النظم: ان نعبد بيان وتفسير لـ الحمد ونتيجة ولازمة لـ (مالك يوم الدين).
واعلم ان تقديم اياك للاخلاص الذي هو روح العبادة، وان في خطاب الكاف رمزاً الى علة العبادة لان من اتصف بتلك الاوصاف الداعية الى الخطاب استحق العبادة.
(وَاِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) هذه كـ (ايَّاك نعبد)
اي نحن معاشر الاعضاء ومعاشر الموحِّدين ومعاشر الكائنات نطلب منك التوفيق والاعانة على كل الحاجات والمقاصد التي أهمها عبادتك.
كرَّرَ اياك لتزييد لذة الخطاب والحضور، ولأن مقام العيان أعلى وأجلّ من مقام النظر والبرهان، ولأن الحضور أدعَى الى الصدق.
واعلم ان نظم نستعين مع نعبد، كنظم الاجرة مع الخدمة، لأن العبادة حق الله على العبد، والاعانة إحسانُه تعالى لعبده، بمعنى إذا عبده أعانه، وإن الله إذا أوجب شيئا أعان عليه.
وفي حصر اياك إشارة الى ان بهذه النسبة الشريفة التي هي العبادة والخدمة له تعالى يترفَّعُ العبد عن التذلل للاسباب والوسائط، بل تصير الوسائطُ خادمةً له وهو لايعرف الا واحدا، فيتجلى حُكْمُ دائرة الاعتقاد والوجدان كما مر. ومن لم يكن خادما له تعالى بحق؛ يصير خادماً للاسباب ومتذللاً للوسائط فينسى مسبب الأسباب.
لكن يلزم على العبد وهو في دائرة الاسباب ان لايهمل الاسباب بالمرة لئلا يكون متمردا في مقابلة النظام المودع بحكمته ومشيئته تعالى، لأن التوكل في تلك الدائرة عطالة كما مر.
وكنظم المقدِّمة مع النتيجة لأن الاعانة والتوفيق مقدمة نتيجتها العبادة.
اياك أي: يامن هو موصوف بهذه الصفات سبحانه.
(نعبد) أي نعبد نحن معاشر أعضاء وذرّات هذا العالم الصغير، بالشكر العرفي الذي هو إطاعة كلٍ لما أُمر به، ونحن معاشر الموحّدين نعبدك باطاعة شريعتك، ونحن معاشر الكائنات نعبد شريعتك الكبرى الفطرية ونسجد بالحيرة والمحبة تحت عرش عظمتك وقدرتك.
وجه النظم: ان نعبد بيان وتفسير لـ الحمد ونتيجة ولازمة لـ (مالك يوم الدين).
واعلم ان تقديم اياك للاخلاص الذي هو روح العبادة، وان في خطاب الكاف رمزاً الى علة العبادة لان من اتصف بتلك الاوصاف الداعية الى الخطاب استحق العبادة.
(وَاِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) هذه كـ (ايَّاك نعبد)
اي نحن معاشر الاعضاء ومعاشر الموحِّدين ومعاشر الكائنات نطلب منك التوفيق والاعانة على كل الحاجات والمقاصد التي أهمها عبادتك.
كرَّرَ اياك لتزييد لذة الخطاب والحضور، ولأن مقام العيان أعلى وأجلّ من مقام النظر والبرهان، ولأن الحضور أدعَى الى الصدق.
واعلم ان نظم نستعين مع نعبد، كنظم الاجرة مع الخدمة، لأن العبادة حق الله على العبد، والاعانة إحسانُه تعالى لعبده، بمعنى إذا عبده أعانه، وإن الله إذا أوجب شيئا أعان عليه.
وفي حصر اياك إشارة الى ان بهذه النسبة الشريفة التي هي العبادة والخدمة له تعالى يترفَّعُ العبد عن التذلل للاسباب والوسائط، بل تصير الوسائطُ خادمةً له وهو لايعرف الا واحدا، فيتجلى حُكْمُ دائرة الاعتقاد والوجدان كما مر. ومن لم يكن خادما له تعالى بحق؛ يصير خادماً للاسباب ومتذللاً للوسائط فينسى مسبب الأسباب.
لكن يلزم على العبد وهو في دائرة الاسباب ان لايهمل الاسباب بالمرة لئلا يكون متمردا في مقابلة النظام المودع بحكمته ومشيئته تعالى، لأن التوكل في تلك الدائرة عطالة كما مر.
وكنظم المقدِّمة مع النتيجة لأن الاعانة والتوفيق مقدمة نتيجتها العبادة.
رد: مع تفسير إشارات الاعجاز للامام النورسي
(اِهْدِنَا)
وجه النظم: انه جواب العبد عن سؤاله تعالى كأنه يسأل: أيّ مقاصدك أعلَقُ بقلبك؛ فأعطيك أياه؟ فيقول العبد: اهدنا.
واعلم ان اهدنا مشتق من المصادر الاربعة لفعل الهداية، فاهدنا باعتبار معشر ثبّتنا، وبالنظر الى جماعة زدنا، وبالقياس الى طائفة وفّقنا والى فرقة اَعْطنا، وأيضا ان الله تعالى بحكم (أعْطَى كُلَّ شَيْء خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) هدانا بإعطاء الحواس الظاهرة والباطنة، ثم هدانا بنصب الدلائل الآفاقية والأنفسية، ثم هدانا بارسال الرسل وانزال الكتب، ثم هدانا أعظم الهداية بكشف الحجاب عن الحق فظهر الحق حقا والباطل باطلا.
اللَّهُمَّ اَرِنَا الْحَقَّ حَقًّا وَارْزُقْنَا اِتِّبَاعَهُ وَاَرِنَا الْبَاطِلَ بَاطِلاً وَارْزُقْنَا اجْتِنَابَهُ
(الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)
اعلم أن الصراط المستقيم هو العدل الذي هو ملخص الحكمة والعفة والشجاعة
ذلك ان الله عز وجل لما اسكن الروحَ في البدن المعرض للمهالك أودع فيه قوىً ثلاثا،
إحداها: القوة الشهوية البهيمية لجلب المنفعة.
وثانيتها: القوة الغضبية السَبُعية لدفع المضرة.
وثالثتها: القوة العقلية المميزة بين النفع والضر.
لكنه تعالى بحكمته لم يحدِّد تلك القوى كما حدد قوى سائر الحيوانات، وإن حدَّدَها بالشريعة؛ لأنها تنهى عن الافراط والتفريط وتأمر بالوسط، وبعدم التحديد يحصل مراتب ثلاث: مرتبة النقصان وهي التفريط، والزيادة وهي الافراط ، والوسط وهي العدل.
فتفريط القوة العقلية الغباوة والبلادة، وافراطها الوسوسة الخادعة والتدقيق في سفاسف الامور، ووسطها الحكمة. (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ اُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً)
واعلم انه كما تنوع اصل هذه القوة الى تلك المراتب، كذلك كل فرع من فروعها يتنوع الى هذه الثلاث. مثلا: في مسألة خَلق الافعال: مذهبُ أهل السنة وسطُ الجبر والاعتزال ،
وفي الاعتقاد: مذهبُ التوحيد وسط بلا تعطيل ولا تشبيه، وعلى هذه القياسُ سر.
فتفريط القوة الشهوية التبتل والخمود وافراطها الفجور بأن يشتهي ما صادف حَلَّ أو حَرُمَ، ووسطها العفةُ بأن يرغب في الحلال ويهرب عن الحرام.
وقس على الاصل كل فرع من فروعه من الاكل والشرب واللبس وغيرها.
وتفريط القوة الغضبية الجبن والخوف والرهاب، وافراطها التهوّر والاستبداد والطغيان والظلم، ووسطها الشجاعة أي بذل الروح في سبيل الله والمكارم، وقس عليها فروعها.
فالاطراف الستة ظلمٌ والاوساط الثلاثة هي العدل الذي هو الصراط المستقيم، ومَن مرَّ على هذا الصراط يمر على الصراط الممتد على النار بسلام ان شاء الله.
(صِرَاطَ الَّذِينَ اَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)
هنا تناسب كلمة انعمت عليهم كل من:
(الحمد لله) لان النعمة قرينة الحمد،
و(رب العالمين) لان كمال التربية بترادف النِعَم،
و(الرحمن الرحيم) لان المنعم عليهم - اعني الانبياء والصديقين والشهداء والصالحين - رحمةٌ للعالمين ومثال ظاهر للرحمة بقسميها،
و(مالك يوم الدين) لان الدين هو النعمة الكاملة،
و(نعبد) لانهم الائمة في العبادة
و(نستعين) لانهم الموفقون في شؤونهم
و(اهدنا) لانهم الاسوة والقدوة في الهداية
و(الصراط المستقيم) لانحصار الطريق المستقيم في مسلكهم.
وفي لفظ الصراط إشارة الى ان طريقهم مسلوكة محدودة الاطراف مَن سلكها لايخرج عنها.
وفي لفظ الذين اشارة الى علو شأنهم وتلألؤهم في ظلمات البشر، كأنهم معهودون نصب العين لكل سامع وإن لم يتحرَّ ولم يطلب، وفي جمعهم رمز الى إمكان الاقتداء بهم وحقانية مسلكهم بسر التواتر اذ (يَدُ الله مَعَ الْجَمَاعَةِ)
وفي صيغة انعمت ونسبتها لله اشارة الى سؤال النعمة، كأنه يقول: ياالهي يا من شأنك الانعامُ وقد أنعمْتَ بفضلك عليهم، فأنْعِمْ عليّ وان لم استحق الانعام
وفي عليهم اشارة الى شدة اعباء الرسالة وحمل التكليف، وايماء الى انهم كالجبال العالية تتلقى اعباء الرسالة وحمل التكليف، وايماء الى انهم كالجبال العالية تتلقى شدائد المطر لإفاضة الصحارى.
وما أجمل في (الذين انعمت عليهم) يفسره (فَاُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ اَنْعَمَ الله عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِييِّنَ والصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء والصَّالِحِينَ) اذ القرآن يفسر بعضه بعضا.
ان قلت: مسالك الانبياء متفاوتة وعباداتهم مختلفة؟
قيل لك: ان التبعية في اصول العقائد والاحكام؛ لانها مستمرة ثابتة دون الفروع التي من شأنها التغير بتبدل الزمان. فكما ان الفصول الاربعة ومراتب عمر الانسان تؤثر في تفاوت الادوية، فكم من دواء في وقت يكون داء في آخر؛ كذلك مراتب عمر نوع البشر تؤثر في اختلاف أفرع الاحكام التي هي دواء الارواح وغذاء القلوب
وجه النظم: انه جواب العبد عن سؤاله تعالى كأنه يسأل: أيّ مقاصدك أعلَقُ بقلبك؛ فأعطيك أياه؟ فيقول العبد: اهدنا.
واعلم ان اهدنا مشتق من المصادر الاربعة لفعل الهداية، فاهدنا باعتبار معشر ثبّتنا، وبالنظر الى جماعة زدنا، وبالقياس الى طائفة وفّقنا والى فرقة اَعْطنا، وأيضا ان الله تعالى بحكم (أعْطَى كُلَّ شَيْء خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) هدانا بإعطاء الحواس الظاهرة والباطنة، ثم هدانا بنصب الدلائل الآفاقية والأنفسية، ثم هدانا بارسال الرسل وانزال الكتب، ثم هدانا أعظم الهداية بكشف الحجاب عن الحق فظهر الحق حقا والباطل باطلا.
اللَّهُمَّ اَرِنَا الْحَقَّ حَقًّا وَارْزُقْنَا اِتِّبَاعَهُ وَاَرِنَا الْبَاطِلَ بَاطِلاً وَارْزُقْنَا اجْتِنَابَهُ
(الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)
اعلم أن الصراط المستقيم هو العدل الذي هو ملخص الحكمة والعفة والشجاعة
ذلك ان الله عز وجل لما اسكن الروحَ في البدن المعرض للمهالك أودع فيه قوىً ثلاثا،
إحداها: القوة الشهوية البهيمية لجلب المنفعة.
وثانيتها: القوة الغضبية السَبُعية لدفع المضرة.
وثالثتها: القوة العقلية المميزة بين النفع والضر.
لكنه تعالى بحكمته لم يحدِّد تلك القوى كما حدد قوى سائر الحيوانات، وإن حدَّدَها بالشريعة؛ لأنها تنهى عن الافراط والتفريط وتأمر بالوسط، وبعدم التحديد يحصل مراتب ثلاث: مرتبة النقصان وهي التفريط، والزيادة وهي الافراط ، والوسط وهي العدل.
فتفريط القوة العقلية الغباوة والبلادة، وافراطها الوسوسة الخادعة والتدقيق في سفاسف الامور، ووسطها الحكمة. (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ اُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً)
واعلم انه كما تنوع اصل هذه القوة الى تلك المراتب، كذلك كل فرع من فروعها يتنوع الى هذه الثلاث. مثلا: في مسألة خَلق الافعال: مذهبُ أهل السنة وسطُ الجبر والاعتزال ،
وفي الاعتقاد: مذهبُ التوحيد وسط بلا تعطيل ولا تشبيه، وعلى هذه القياسُ سر.
فتفريط القوة الشهوية التبتل والخمود وافراطها الفجور بأن يشتهي ما صادف حَلَّ أو حَرُمَ، ووسطها العفةُ بأن يرغب في الحلال ويهرب عن الحرام.
وقس على الاصل كل فرع من فروعه من الاكل والشرب واللبس وغيرها.
وتفريط القوة الغضبية الجبن والخوف والرهاب، وافراطها التهوّر والاستبداد والطغيان والظلم، ووسطها الشجاعة أي بذل الروح في سبيل الله والمكارم، وقس عليها فروعها.
فالاطراف الستة ظلمٌ والاوساط الثلاثة هي العدل الذي هو الصراط المستقيم، ومَن مرَّ على هذا الصراط يمر على الصراط الممتد على النار بسلام ان شاء الله.
(صِرَاطَ الَّذِينَ اَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)
هنا تناسب كلمة انعمت عليهم كل من:
(الحمد لله) لان النعمة قرينة الحمد،
و(رب العالمين) لان كمال التربية بترادف النِعَم،
و(الرحمن الرحيم) لان المنعم عليهم - اعني الانبياء والصديقين والشهداء والصالحين - رحمةٌ للعالمين ومثال ظاهر للرحمة بقسميها،
و(مالك يوم الدين) لان الدين هو النعمة الكاملة،
و(نعبد) لانهم الائمة في العبادة
و(نستعين) لانهم الموفقون في شؤونهم
و(اهدنا) لانهم الاسوة والقدوة في الهداية
و(الصراط المستقيم) لانحصار الطريق المستقيم في مسلكهم.
وفي لفظ الصراط إشارة الى ان طريقهم مسلوكة محدودة الاطراف مَن سلكها لايخرج عنها.
وفي لفظ الذين اشارة الى علو شأنهم وتلألؤهم في ظلمات البشر، كأنهم معهودون نصب العين لكل سامع وإن لم يتحرَّ ولم يطلب، وفي جمعهم رمز الى إمكان الاقتداء بهم وحقانية مسلكهم بسر التواتر اذ (يَدُ الله مَعَ الْجَمَاعَةِ)
وفي صيغة انعمت ونسبتها لله اشارة الى سؤال النعمة، كأنه يقول: ياالهي يا من شأنك الانعامُ وقد أنعمْتَ بفضلك عليهم، فأنْعِمْ عليّ وان لم استحق الانعام
وفي عليهم اشارة الى شدة اعباء الرسالة وحمل التكليف، وايماء الى انهم كالجبال العالية تتلقى اعباء الرسالة وحمل التكليف، وايماء الى انهم كالجبال العالية تتلقى شدائد المطر لإفاضة الصحارى.
وما أجمل في (الذين انعمت عليهم) يفسره (فَاُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ اَنْعَمَ الله عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِييِّنَ والصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء والصَّالِحِينَ) اذ القرآن يفسر بعضه بعضا.
ان قلت: مسالك الانبياء متفاوتة وعباداتهم مختلفة؟
قيل لك: ان التبعية في اصول العقائد والاحكام؛ لانها مستمرة ثابتة دون الفروع التي من شأنها التغير بتبدل الزمان. فكما ان الفصول الاربعة ومراتب عمر الانسان تؤثر في تفاوت الادوية، فكم من دواء في وقت يكون داء في آخر؛ كذلك مراتب عمر نوع البشر تؤثر في اختلاف أفرع الاحكام التي هي دواء الارواح وغذاء القلوب
رد: مع تفسير إشارات الاعجاز للامام النورسي
(غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمَْ).
وجه النظم: اعلم ان هذا المقام لكونه مقام الخوف والتخلية يناسب تراتب المقامات والأحوال؛ فيكون في حال الحيرة والدهشة أمام توصيف الربوبية بالجلال والجمال،
وحال الالتجاء في نعبد،
وحال العجز والتوكل في نستعين،
وحال التسلي بالذين انعمت عليهم ،
اذ اوّل ما يتولد في قلب من يرى أمراً هائلا حِسُّ الحيرة ثم ميلُ إلى الفرار ثم التوكلُ عند العجز أو الاستسلام والتسلي بالمعية.
فإن قلت: ان الله عز وجل حكيم غني فما الحكمة في خلق الشر والقبح والضلالة في العالم؟
قيل لك: اعلم ان الكمال والخير والحسن في الكائنات هي المقصودة بالذات وهي الكليات؛ وان الشر والقبح والنقصان جزئيات بالنسبة اليها قليلة تبعية مغمورة في الخلقة، خلقها خالقها منتشرة بين الحسن والكمال، لا لذاتها، بل لتكون مقدمة، ومعيارا قياسياً، لظهور - بل لوجود - الحقائق النسبية للخير والكمال.
ان قلت: فما قيمة الحقائق النسبية حتى اُستُحسن لأجلها الشرّ الجزئي؟
قيل لك: ان الحقائق النسبية هي الروابط بين الكائنات، وهي الخطوط المنسوج منها نظامها، وهي الاشعة المنعكس منها وجود واحد لانواعها. وان الحقائق النسبية أزيدُ بألوفٍ من الحقائق الحقيقية؛ اذ الصفات الحقيقية لذاتٍ لو كانت سبعة كانت الحقائق النسبية سبعمائة. فالشر القليل يُغْتَفَر بل يُسْتَحْسَن لاجل الخير الكثير؛ لان في ترك الخير الكثير - لان فيه شراً قليلاً - شراً كثيراً.
وفي نظر الحكمة اذا قابل الشر القليل شراً كثيراً صار الشر القليل حسناً بالغير، كما تقرر في الاصول في الزكاة والجهاد وغيرها.
وما اشتهر من: ان الاشياء انما تُعْرَف باضدادها؛ معناه: ان وجود الضد سبب لظهور ووجود الحقائق النسبية للشئ.
مثلا: لو لم يوجد القبح ولم يتخلل بين الحسن لما تظاهر وجود الحسن بمراتبه غير المتناهية.
فإن قلت: ما وجه تفاوت هذه الكلمات الثلاث: فعلاً، واسم مفعولٍ، واسمَ فاعلٍ، في: انعمت و المغضوب والضالين؟
وأيضاً ما وجه التفاوت في ذكر: عنوان صفة الفرقة الاولى : انعمت عليهم
وعاقبة الصفة في الفرقة الثانية: غير المغضوب عليهم وصفة الفرقة الثالثة: الضآلين ؟
قيل لك: اختار عنوان النعمة؛ لان النعمة لذةٌ تميل النفس اليها، وفعلاً ماضيا للاشارة الى ان الكريم المطلق شأنه ان لايسترد مايعطي
أما (غير المغضوب) فالمراد منه: الذين تجاوزوا بتجاوز القوة الغضبية فظلموا، وفسقوا بترك الاحكام كتمرد اليهود وغيرهم.
ولما كان في نفس الفسق والظلم لذة منحوسة وعزة خبيثة؛ قد لا تنفر منه النفس فذَكَرَ القرآنُ عاقبته التي تُنَفِّر كلَّ نفسٍ وهي نزول غضبه تعالى!
واختار الاسم الذي من شأنه الاستمرار : المغضوب اشارة الى ان العصيان والشر انما يكون سمة اذا لم ينقطع بالتوبة والعفو.
(ولا الضَّالين) المراد منه: الذين ضلوا عن الطريق بسبب غلبة الوهم والهوى على العقل والوجدان، ووقعوا في النفاق بالاعتقاد الباطل كسفسطة النصارى والفلاسفة وغيرهم. فاختار القرآن نفسَ صفتهم: الضآلين، لان نفسَ الضلالة أَلَمٌ تنفر النفس والروح منه وإن لم تر نتيجته، ولأن الضلالة انما تكون ضلالة اذا لم تنقطع فإذا انقطعت إتضح الحق وبان.
واعلم ان كل الالم في الضلالة وكل اللذة في الايمان،
وإن شئت فتأمل حال شخص، اخرجَتْه يدُ القدرة من ظلمات العدم وألقَتْهُ في الدنيا، فيفتح عينيه مستعطفا، فيرى البليات والعلل كالاعداء تتهاجم عليه، فينظر مسترحماً الى ما حوله من الطبيعة فيراها غليظة القلب بلا رحمة قد كشرت عليه الاسنان؛ فيرفع رأسه الى الكواكب العلوية فيراها مهيبة ومدهشة تهدده كأنها مرامي نارية من أفواه هائلة تمر حواليه؛ فيتحير ويخفض رأسه متستراً ويطالع نفسه؛ فيسمع الوفَ صيحاتِ حاجاته وأنين فاقاته، فيتوحش، فينظر الى وجدانه ملتجأً؛ فيرى فيه الوفاً من آمال متهيجةٍ ممتدةٍ لا تُشبعها الدنيا.
فبالله عليك كيف حال هذا الشخص ان لم يعتقد بالمبدأ والمعاد والصانع والحشر؟ أتظن جهنم أشدَّ عليه وأحرقَ من حاله ؟ فإن له حالة تركبت من الخوف والهيبة والعجز والرعشة والقلق والوحشة واليتم واليأس؛ لأنه اذا راجع قدرته يراها عاجزة ضعيفة؛ واذا توجه الى تسكين حاجاته يراها لاتسكن؛ واذا صاح واستغاث لايُسْمَع ولا يُغاث فيظن كل شئ عدواً، ويتخيل كل شئ غريبا فلا يستأنس بشئ؛ ولا ينظر الى دوران الكواكب الاّ بنظر الخوف والدهشة والتوحش المزعج للوجدان.
ثم تأمل في حال ذلك الشخص اذا كان على الصراط المستقيم واستضاء وجدانهُ وروحُه بنور الايمان، كيف ترى انه اذا وضع قدمه في الدنيا وفتح عينيه فرأى تهاجم العاديات الخارجية يرى اذاً نقطة استناد يستند عليها في مقابلة تلك العاديات، وهي معرفة الصانع فيستريح. ثم اذا فتش عن استعداداته وآماله الممتدة الى الأبد يرى نقطة استمداد يستمد منها آماله وهي معرفة السعادة الابدية. واذ يرفع رأسه وينظر في الكائنات يستأنس بكل شئ وتجتني عيناه من كل زهرة اُنسا وتحبّبا، ويرى في حركات الكواكب حكمةَ خالقها ويتنزّه بسيرها وينظر نظر العبرة والتفكر. كأن الشمس تناديه: أيها الأخ لاتتوحش مني فمرحبا بقدومك نحن كلانا خادمان لذاتٍ واحد، مطيعان لأمره، والقمر والنجوم والبحر وأخواتها يناجيه كلٌ منها بلسانه الخاص وترمز اليه: بأهلاً وسهلاً، أما تعرفنا ؟ كلنا مشغولون بخدمة مالكك فلا تضجر ولا تتوحش ولا تخف من تهديد البلايا بنعراتها، فان لجام كلٍ بيد خالقك.
فذلك الشخص في الحالة الاولى يحس في أعماق وجدانه ألماً شديداً فيضطر للتخلص منه وتهوينه وابطال حسه بالتسلي وبالتغافل وبالاشتغال بسفاسف الأمور، ليخادع وجدانه؛ والا احس بألمٍ عميق يحرق أعماق وجدانه. فبنسبة البُعْدِ عن الطريق الحق يظهر تأثير ذلك الالم.
وأما في الحالة الثانية فهو يحس في قعر روحه لذةً عالية وسعادة عاجلة كلما أيقظ قلبه وحرَّك وجدانه وأحسّ روحه استزاد سعادة واستبشر بفتح أبواب جنات روحانية له.
اَللَّهُمَّ بِحُرْمَةِ هذِهِ السُّورَةِ اِجْعَلْنَا مِنْ اَهْلِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ.
من حلقة علمية بجامعة الخرطوم، بإشراف الدكتور جعفر العبيد
إعداد:حسب الرسول الطيب الشيخ
hsbelrsol@gmail.com
00249129950207
00249964477736
وجه النظم: اعلم ان هذا المقام لكونه مقام الخوف والتخلية يناسب تراتب المقامات والأحوال؛ فيكون في حال الحيرة والدهشة أمام توصيف الربوبية بالجلال والجمال،
وحال الالتجاء في نعبد،
وحال العجز والتوكل في نستعين،
وحال التسلي بالذين انعمت عليهم ،
اذ اوّل ما يتولد في قلب من يرى أمراً هائلا حِسُّ الحيرة ثم ميلُ إلى الفرار ثم التوكلُ عند العجز أو الاستسلام والتسلي بالمعية.
فإن قلت: ان الله عز وجل حكيم غني فما الحكمة في خلق الشر والقبح والضلالة في العالم؟
قيل لك: اعلم ان الكمال والخير والحسن في الكائنات هي المقصودة بالذات وهي الكليات؛ وان الشر والقبح والنقصان جزئيات بالنسبة اليها قليلة تبعية مغمورة في الخلقة، خلقها خالقها منتشرة بين الحسن والكمال، لا لذاتها، بل لتكون مقدمة، ومعيارا قياسياً، لظهور - بل لوجود - الحقائق النسبية للخير والكمال.
ان قلت: فما قيمة الحقائق النسبية حتى اُستُحسن لأجلها الشرّ الجزئي؟
قيل لك: ان الحقائق النسبية هي الروابط بين الكائنات، وهي الخطوط المنسوج منها نظامها، وهي الاشعة المنعكس منها وجود واحد لانواعها. وان الحقائق النسبية أزيدُ بألوفٍ من الحقائق الحقيقية؛ اذ الصفات الحقيقية لذاتٍ لو كانت سبعة كانت الحقائق النسبية سبعمائة. فالشر القليل يُغْتَفَر بل يُسْتَحْسَن لاجل الخير الكثير؛ لان في ترك الخير الكثير - لان فيه شراً قليلاً - شراً كثيراً.
وفي نظر الحكمة اذا قابل الشر القليل شراً كثيراً صار الشر القليل حسناً بالغير، كما تقرر في الاصول في الزكاة والجهاد وغيرها.
وما اشتهر من: ان الاشياء انما تُعْرَف باضدادها؛ معناه: ان وجود الضد سبب لظهور ووجود الحقائق النسبية للشئ.
مثلا: لو لم يوجد القبح ولم يتخلل بين الحسن لما تظاهر وجود الحسن بمراتبه غير المتناهية.
فإن قلت: ما وجه تفاوت هذه الكلمات الثلاث: فعلاً، واسم مفعولٍ، واسمَ فاعلٍ، في: انعمت و المغضوب والضالين؟
وأيضاً ما وجه التفاوت في ذكر: عنوان صفة الفرقة الاولى : انعمت عليهم
وعاقبة الصفة في الفرقة الثانية: غير المغضوب عليهم وصفة الفرقة الثالثة: الضآلين ؟
قيل لك: اختار عنوان النعمة؛ لان النعمة لذةٌ تميل النفس اليها، وفعلاً ماضيا للاشارة الى ان الكريم المطلق شأنه ان لايسترد مايعطي
أما (غير المغضوب) فالمراد منه: الذين تجاوزوا بتجاوز القوة الغضبية فظلموا، وفسقوا بترك الاحكام كتمرد اليهود وغيرهم.
ولما كان في نفس الفسق والظلم لذة منحوسة وعزة خبيثة؛ قد لا تنفر منه النفس فذَكَرَ القرآنُ عاقبته التي تُنَفِّر كلَّ نفسٍ وهي نزول غضبه تعالى!
واختار الاسم الذي من شأنه الاستمرار : المغضوب اشارة الى ان العصيان والشر انما يكون سمة اذا لم ينقطع بالتوبة والعفو.
(ولا الضَّالين) المراد منه: الذين ضلوا عن الطريق بسبب غلبة الوهم والهوى على العقل والوجدان، ووقعوا في النفاق بالاعتقاد الباطل كسفسطة النصارى والفلاسفة وغيرهم. فاختار القرآن نفسَ صفتهم: الضآلين، لان نفسَ الضلالة أَلَمٌ تنفر النفس والروح منه وإن لم تر نتيجته، ولأن الضلالة انما تكون ضلالة اذا لم تنقطع فإذا انقطعت إتضح الحق وبان.
واعلم ان كل الالم في الضلالة وكل اللذة في الايمان،
وإن شئت فتأمل حال شخص، اخرجَتْه يدُ القدرة من ظلمات العدم وألقَتْهُ في الدنيا، فيفتح عينيه مستعطفا، فيرى البليات والعلل كالاعداء تتهاجم عليه، فينظر مسترحماً الى ما حوله من الطبيعة فيراها غليظة القلب بلا رحمة قد كشرت عليه الاسنان؛ فيرفع رأسه الى الكواكب العلوية فيراها مهيبة ومدهشة تهدده كأنها مرامي نارية من أفواه هائلة تمر حواليه؛ فيتحير ويخفض رأسه متستراً ويطالع نفسه؛ فيسمع الوفَ صيحاتِ حاجاته وأنين فاقاته، فيتوحش، فينظر الى وجدانه ملتجأً؛ فيرى فيه الوفاً من آمال متهيجةٍ ممتدةٍ لا تُشبعها الدنيا.
فبالله عليك كيف حال هذا الشخص ان لم يعتقد بالمبدأ والمعاد والصانع والحشر؟ أتظن جهنم أشدَّ عليه وأحرقَ من حاله ؟ فإن له حالة تركبت من الخوف والهيبة والعجز والرعشة والقلق والوحشة واليتم واليأس؛ لأنه اذا راجع قدرته يراها عاجزة ضعيفة؛ واذا توجه الى تسكين حاجاته يراها لاتسكن؛ واذا صاح واستغاث لايُسْمَع ولا يُغاث فيظن كل شئ عدواً، ويتخيل كل شئ غريبا فلا يستأنس بشئ؛ ولا ينظر الى دوران الكواكب الاّ بنظر الخوف والدهشة والتوحش المزعج للوجدان.
ثم تأمل في حال ذلك الشخص اذا كان على الصراط المستقيم واستضاء وجدانهُ وروحُه بنور الايمان، كيف ترى انه اذا وضع قدمه في الدنيا وفتح عينيه فرأى تهاجم العاديات الخارجية يرى اذاً نقطة استناد يستند عليها في مقابلة تلك العاديات، وهي معرفة الصانع فيستريح. ثم اذا فتش عن استعداداته وآماله الممتدة الى الأبد يرى نقطة استمداد يستمد منها آماله وهي معرفة السعادة الابدية. واذ يرفع رأسه وينظر في الكائنات يستأنس بكل شئ وتجتني عيناه من كل زهرة اُنسا وتحبّبا، ويرى في حركات الكواكب حكمةَ خالقها ويتنزّه بسيرها وينظر نظر العبرة والتفكر. كأن الشمس تناديه: أيها الأخ لاتتوحش مني فمرحبا بقدومك نحن كلانا خادمان لذاتٍ واحد، مطيعان لأمره، والقمر والنجوم والبحر وأخواتها يناجيه كلٌ منها بلسانه الخاص وترمز اليه: بأهلاً وسهلاً، أما تعرفنا ؟ كلنا مشغولون بخدمة مالكك فلا تضجر ولا تتوحش ولا تخف من تهديد البلايا بنعراتها، فان لجام كلٍ بيد خالقك.
فذلك الشخص في الحالة الاولى يحس في أعماق وجدانه ألماً شديداً فيضطر للتخلص منه وتهوينه وابطال حسه بالتسلي وبالتغافل وبالاشتغال بسفاسف الأمور، ليخادع وجدانه؛ والا احس بألمٍ عميق يحرق أعماق وجدانه. فبنسبة البُعْدِ عن الطريق الحق يظهر تأثير ذلك الالم.
وأما في الحالة الثانية فهو يحس في قعر روحه لذةً عالية وسعادة عاجلة كلما أيقظ قلبه وحرَّك وجدانه وأحسّ روحه استزاد سعادة واستبشر بفتح أبواب جنات روحانية له.
اَللَّهُمَّ بِحُرْمَةِ هذِهِ السُّورَةِ اِجْعَلْنَا مِنْ اَهْلِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ.
من حلقة علمية بجامعة الخرطوم، بإشراف الدكتور جعفر العبيد
إعداد:حسب الرسول الطيب الشيخ
hsbelrsol@gmail.com
00249129950207
00249964477736
مواضيع مماثلة
» من وحي الخطبة الشامية للامام بديع الزمان سعيد النورسي
» ترجمة بديع الزمان الشيخ الامام سعيد النورسي
» كلمة للامام موسى الصدر قدس الله روحه الشريفة
» ترجمة بديع الزمان الشيخ الامام سعيد النورسي
» كلمة للامام موسى الصدر قدس الله روحه الشريفة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين يوليو 13, 2015 1:22 pm من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ
» مقدمة في الدراسات السودانية
الأربعاء أبريل 15, 2015 3:21 pm من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ
» الممالك السودانية القديمة
الأحد فبراير 15, 2015 2:29 pm من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ
» التعريف بالقرآن الكريم
الأحد ديسمبر 14, 2014 12:57 pm من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ
» أقصرتُ مذ عاد الزمانُ فأقْصَرا
الثلاثاء نوفمبر 25, 2014 1:33 pm من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ
» قصة خروج النبي صلى الله عليه وسلم الى الطائف
الأربعاء مايو 28, 2014 1:34 pm من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ
» قصة تحويل القبلة الى الكعبة
الأربعاء مايو 14, 2014 4:57 pm من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ
» حديث الاسراء والمعراج
الخميس مايو 08, 2014 4:56 pm من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ
» استقبال شهر الله رجب الأصب
الإثنين مايو 05, 2014 4:14 pm من طرف حسب الرسول الطيب الشيخ